جهاد الحجري يكتب:
"القوة الناعمة".. سلاحهم الجديد لتقويض القضية الجنوبية من الداخل
في أواخر عام 1996 انطلق بث قناة "الجزيرة" القطرية، والتي حملت منذ يومها الأول شعارات براقة مثل "الرأي والرأي الآخر" ما شجع الجماهير العربية المتعطشة لحرية التعبير آنذاك، على الانخداع بمضمونها المبطّن.
ومع مرور السنوات، نجحت قناة الجزيرة في تشويه الفكر القومي العربي، وحذف الكثير من ثوابت الأمة من قاموسها النضالي العتيد.
حيث بدأت الجزيرة في استعمال مصطلحات خطيرة مثل "الصراع العربي – الإسرائيلي" والذي يوحي للمتابع أن قضية احتلال فلسطين، وهي محور القومية العربية، أنها مجرد خلاف بين طرفين على قضية هامشية، ويحتمل أن يكون العرب فيها على حق واحتمال العكس تماماً.
واليوم وبعد ربع قرن من تأسيسها، نجحت الجزيرة القطرية في تهميش القضية الفلسطينية، وتحويل مسار العرب من الصراع مع الاحتلال، إلى صراع داخلي مع بعضهم البعض، وبات كل همّ الفصائل الفلسطينية أن تقضي على بعضها البعض، وتتجاهل عدوها الصهيوني المحتل للأرض والمقدسات.
يطلق الاستراتيجيون على ذلك النوع من التغيير اسم "القوة الناعمة" حيث تجعل الخصم يعمل طوعاً ضد مصلحته الوطنية والقومية العليا.
وبنفس الأسلوب تقريباً، تسعى حكومة الشرعية المسيطر عليها من قبل الإخوان على تصفية القضية الجنوبية، عبر استخدام القوة الناعمة ذاتها وبشعارات براقة، ليس هناك خلاف على ظاهرها وعنوانيها.
حيث أُعلن الأمس في العاصمة عدن، عن إطلاق مبادرة من قبل عناصر معروف ولائها لتنظيم الإخوان، وتحمل اسم "حملة دعم تنفيذ اتفاق الرياض" وتعمل فقط من المناطق المحررة مثل عدن ولحج، بينما تختفي في المحافظات الجنوبية المحتلة من قبل ميليشيات الإخوان.
وكان من المنطقي الثناء على الحملة لولا بعض النقاط السوداء التي تحيط بالمبادرة مثل:
الجمع بين الانتقالي والشرعية، ومطالبتهم بتنفيذ اتفاق الرياض، وهو اتهام ضمني أن الانتقالي من المعرقلين.
النقطة الثانية هي المساواة في الخطاب بين المعتدي والمعتدى عليه، وهذا انتصار للمعتدي، وفي الحالة الجنوبية المعتدي هم الإخوان، بينما الانتقالي يمثل الطرف المعتدى عليه، كونه على أرضه وبين شعبه ويقاتل دفاعاً عن قضية مشروعة، لا خلاف عليها.
ثالثاً كان الأولى بالحملة أن تنطلق من مارب وليس من عدن، فهناك يقبع جمهور الطرف المعتدي، وهو من يجب تثقيفه بخطورة الحرب وأهمية السلام، أمّا تثقيف المواطن العدني بنفس الأسلوب، فإنك تقنعه بترك السلاح في الوقت الذي يحشد عدوه كل طاقاته لاحتلاله مجدداً.
رابعاً وهو الأهم استخدام شعارات مقبولة لدى الجميع مثل "السلام" و"المحبة" و"تنفيذ اتفاق الرياض" وتجييرها لصالح الطرف المعتدي، وإظهار الضحية بالمتملص عن تنفيذ الاتفاق، رغم أنه أول من بادر للمفاوضات والتوقيع على الاتفاق لاحقاً.
لقد أثبت الأيام أن خطورة تنظيم الإخوان المسلمين ليست في إرهابهم المسلح فقط، بل وفي حربهم الثقافية الهدامة، واستعدادهم لتجنيد كل شيء لصالح منفعتهم الضيقة، بما فيها الدين وحقوق الإنسان والترويج لثقافة السلام.
وعلينا أن نحذر من الانخراط في مثل هذه المبادرات المشبوهة، ومنعها حتى من التحرك في الجنوب، ومحاسبتها على عدم القيام بأنشطة مماثلة في المناطق التي قدم منها الغزاة، مالم فإن القضية الجنوبية في خطر، وتواجه مصير مماثل للقضية الفلسطينية، التي يُصر الإخوان وقطر على دفنها حية، رغم حجم المأساة والكوارث المحيطة بها.