نهى الصراف تكتب:
جنون اللحظة الأخيرة
يقال إنه اليوم الوحيد في السنة الذي يتفوق فيه عدد المتسوقين من الرجال على عدد النساء، والمفارقة أن معظم المشتريات والهدايا تصب في خزانات ملابس السيدات؛ فالعطور لهن والمعاطف الفاخرة، الشموع وأدوات التجميل والمجوهرات أيضا!
حتى ساعات النهار الأخيرة من اليوم السابق لعيد الميلاد، مرّ متسوقون في جولة احترازية على مراكز التسوق لالتقاط ما تيسر من بضائع ليلة العيد مستفيدين من عروض اللحظة الأخيرة حتى يتمكنوا من إفراغ محتويات رفوف البضائع في بعض محلات التجهيزات الغذائية تحديدا.
وبعد أن أغلقت محلات الشوارع التجارية أبوابها لتودع آخر زبائنها، فإن مستهلكين لحوحين أصابتهم لعنة جنون التسوق، كان بإمكانهم أن يتوجهوا إلى ركنهم المفضل في غرفة الجلوس ليبحثوا في إعلانات صفحات الإنترنت عن عروض آخر الليل وفرص الشراء الأخيرة، لإكمال قائمة تسوقهم التي لا تنتهي.
كل هذا يحدث، لأن المتسوقين انتظروا هذه اللحظة الساحرة للإنفاق على مشترياتهم عشية العيد على أمل الحصول على خصوم أكبر.
في الساعات اللاحقة للاحتفال بالعيد، لا يملك المتسوقون إلا العودة مجددا إلى ممارسة هواياتهم الاستهلاكية، حين يبدأ في العادة موعد التنزيلات السنوية الكبرى أو ما يسمى بـ”بوكسينغ داي” أي يوم العلب، الذي يصادف يوم 26 ديسمبر التالي مباشرة للعيد بحسب التقليد البريطاني المنشأ، حيث تقوم كبرى الشركات والمحلات التجارية في بريطانيا وبعض دول أوروبا ودول أخرى في العالم، ببيع المخزون الفائض عن مناسبة أعياد الميلاد أو خلال شهور العام الأخرى، بتخفيضات كبيرة قد تستمر لأيام عدة.
هناك تباين في النظريات حول أصل تسمية الـ”بوكسينغ داي”، أكثرها شيوعا الرواية التاريخية التي تقول إن الكنائس كانت تضع صناديق أو علبا مفتوحة خارج أبنيتها لجمع الهدايا للمحتاجين، في حين كان أصحاب المنازل بدورهم يجمعون في علب خاصة نقودا وهدايا وأحيانا طعاما، يمنحونها لخدمهم ليحملوها إلى عائلاتهم الفقيرة غداة عيد الميلاد.
ابتداء من الصباح الباكر لهذا اليوم وكما جرت العادة، يصطف المئات من المتسوقين على أبواب المحلات التجارية في طوابير طويلة أملا في اقتناص فرصة التسوق بخصومات كبيرة لا يحصلون عليها خلال أيام السنة العادية، بينما يفضل آخرون تلافي النهوض باكرا ومواجهة تقلبات طقس الشتاء القاسي فيتوجهون إلى أجهزة الكمبيوتر في غرفهم الدافئة لتصفح الإنترنت لغرض التسوق الإلكتروني.
بحسب التخمينات، كان من المفترض أن يتصفح واحد من كل أربعة بالغين الإنترنت خلال أيام العيد وبناء على توقعات كبار تجار التجزئة فإن المبيعات الأكبر ستكون من حصة الأجهزة الإلكترونية، في حين ستقفز أرقام المبيعات الكلية في هذا الموسم لتزيد بنسبة 20 بالمئة مقارنة بالأعوام السابقة.
بالطبع، هناك من يتخلف عن ركب الجنون هذا بسبب عدم الحاجة إلى الشراء في هذا الوقت تحديدا أو لصعوبة تأقلمه مع أجواء الزحام والكتل البشرية الهائلة التي ترافق هذا النوع من الفعاليات الموسمية، بينما يفضل البعض الآخر الابتعاد عن الإنفاق المبالغ فيه الذي سيكبد الميزانية السنوية ما لا طاقة بها على تحمله.
مع ذلك، فإن الكثيرين ممن يستهويهم هذا النوع من الجنون سيركبون موجة التسوق بأقصى إمكاناتهم المادية، حتى إذا تسنى لهم الرجوع إلى شاطئ الواقع مرة ثانية، فلن يجدوا في انتظارهم غير مشتريات لا تنفع ولا تضرّ وقوائم ديون تثقل أكتافهم حتى يحين موعد الجنون في العام المقبل!