نهى الصراف تكتب:

كورونا وأخواتها

يبدو سيناريو فيروس كورونا مرعباً لمن تستهويه أفكار نهاية العالم، أما أصحاب المخيّلة الواسعة فهم الضحايا المحتملون لموسم جديد من الخوف من المجهول الذي قد يأخذنا إليه خط سير هذا الوباء المستفحل في القلوب أكثر من انتشاره على أرض الواقع. يظهر هذا جليّاً بمجرد تفحصنا لموقع “غوغل” على الإنترنت وكتابة أول حرفين من كلمة فيروس، إذ سرعان ما يتطوع محرك البحث لإتمام مهمتنا وتدوين الحروف الناقصة من كلمة “فيروس كورونا” وخلفه تظهر ملايين من العيون القلقة التي تبحث في الإنترنت عن أي بارقة أمل! فماذا ينقصنا لمواصلة رحلتنا المحتومة حتى نهايتها بعد كل الكوارث التي حلّت وتحل على سطح هذا الكوكب المنكوب؟

ينقصنا قليل من الوهم. أما أنا فأستخدم عادة مخزوني الكبير من الوهم في هذه الأوقات بالذات لأكذب على نفسي وأتهرب من مواجهة الحقائق فأرى من خلف الستارة التي تفصلني عن الواقع، بأن الناس يبالغون في مخاوفهم إذ أن لكورونا شقيقات وأشقاء آخرون وأن هذا الفيروس ليس هو النهاية التي تنتظرنا، إذ ما زالت أمامنا كل الخيارات مفتوحة على مصراعيها؛ الموت بحوادث طائرات تسقط بصواريخ صديقة، الموت أثناء هتاف سلمي في ساحة تظاهر عراقية، الموت من الركض لتأمين لقمة العيش. وبالطبع، هناك ذلك الموت الشاسع الذي يبتلعنا بأسئلته كلما وضعنا رؤوسنا المتعبة على وسادة الليل وهو يسأل بوقاحة: ترى، هل كنا على حق؟

تقع الحاجة للشعور بالأمان في القاعدة الثانية لهرم الحاجات الإنسانية الملّحة كما كان يراها “أبراهام ماسلو” عالم النفس الأميركي في نظريته الفلسفية التي تتحدث عن هرم الأولويات التي تحرك السلوك الإنساني وتشكّله، منها الحاجات الفسيولوجية والأساسية للبقاء على قيد الحياة وحاجات الأمان وأهمها السلامة الجسدية، ثم تتدرج بقية الحاجات مثل الحاجات الاجتماعية والتقدير وتحقيق الذات لتكون في أعلى الهرم باعتبارها الأقل أهمية.

أي تعطيل أو عرقلة لوصول الإنسان إلى إشباع الحاجات التي تقع في قاعدة الهرم تحديداً، يمكن أن يؤدي إلى تردي أوضاعه النفسية بحسب مستوى حرمانه ومناعته الشخصية في مقاومة هذا الحرمان. فإذا افتقد الإنسان الشعور بالأمان وكان هناك بالفعل ما يهدد سلامته أو سلامة أفراد أسرته ابتداء بقلة الموارد وانتهاء بالفيروسات القاتلة، فإن نشاطاته اليومية قد يصيبها التعطيل وربما الشلل في مراحل متقدمة؛ حيث تسيطر مشاعر الخوف والقلق والتوتر النفسي بسبب توقع أو انتظار حصول المحظور، والمحظور هنا يمكن أن يكون نتيجة منطقية في حال تعرض الإنسان إلى تهديد حقيقي وليس مجرد تصورات ومبالغات مصدرها رسائل غير مغلوطة.

في الوقت الذي روّجت فيه وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي على الإنترنت لأخبار وصور وتنبؤات في حال لم تتم السيطرة على مدّ هذا الوباء الجديد، ظهرت مزحة هنا وابتسامة هناك بين السطور لزوار مواقع الإنترنت الشعبية يمكن أن يراها البعض في غير محلّها وسط أخبار الموت والضحايا الأبرياء، لكنها في الواقع لا تخرج عن كونها رد فعل إنساني طبيعي يتناسب ومستوى الخوف الذي يسيطر على بعض الناس ومدى شعورهم بالعجز لمواجهته، التندر على أخبار الفيروس القاتل هو السلاح المتاح حالياً للآلاف من البشر الذين يرزحون تحت ثقل الخوف من الغد.

ثم تطفو نظرية المؤامرة على السطح بين الحين والآخر، هل هذا فيروس حقيقي أم مفتعل؟ لماذا تضرب الفيروسات المميتة وجه الكرة الأرضية كل مئة عام حسب ما يرّوج له؟ هل سينقذنا التطور العلمي الهائل في أيامنا هذه أم أن القدر سيتخلى عنا مثلما فعل مع أجدادنا؟ من الأجمل؛ المستقبل أم الماضي؟

يجيبنا الممثل الكوميدي والمهرج البافاري كارل فالنتين، من إحدى زوايا العالم الآخر بقوله: حتى المستقبل، كان أجمل في الماضي!