فاروق يوسف يكتب:
الرسم ليس تصوفا
كل شيء يتغير في العالم العربي. لمَ لا نقبل بتغير الفن؟ ذلك سؤال لا معنى له إلاّ إذا كان الغرض منه فرض نوع فني باعتباره النوع الذي يحتكر التحوّل ويتكلم باسمه.
عبر أكثر من مئة سنة شهد الرسم في العالم العربي تحوّلات، بعضها كان جوهريا، تم الاعتراف بأنها جزء من الحيوية بسبب ما انطوت عليه من رغبة في التماهي مع أسئلة العصر الذي هي جزء منه.
في البدء مثلا، لم يكن سؤال الهوية مطروحا. فإذا به يصبح محورا للبحث الفني في خمسينات القرن الماضي. بسببه اكتسب العراقي جواد سليم والسوري فاتح المدرس والمغربي أحمد الشرقاوي والمصري محمد مختار أهمية استثنائية.
غير أن ذلك السؤال فقد أهميته حين اكتشف العرب أن كونهم عربا لا يعد اكتشافا مدهشا. حينها انخرط الرسامون العرب في استلهام التجربة العالمية رغبة منهم في أن يلتحقوا بالأمم الأخرى. وهو ما دفع بالبعض منهم إلى تلمس الطريق إلى أفقه المحلي من خلال اعتماد تقنيات غربية معاصرة.
كان تأثير الإسباني أنطونيو تابيس واضحا على رسومهم التي حاولوا من خلالها أن يكونوا محليين وعالميين في الوقت نفسه. لم تكن التقنية وحدها كفيلة بإنجاز ذلك المشروع. لذلك لجأ العراقي شاكر حسن آل سعيد إلى اختراع نظريات فنية قريبة من ثقافته الصوفية أو هي مشتقة منها.
كانت لغته مدهشة بسب لعثمتها وتفكّكها وغموضها، غير أنها في الحقيقة لم تكن تفصح عن شيء محدد. كانت تقول كل شيء من غير أن تكون ذات معنى. كان آل سعيد رساما مهما، غير أن نظرياته لم تكن ذات صلة بالرسم. كانت لغته مستعارة من المتصوفة المشهورين كالجيلاني وابن عربي والبسطامي وسواهم.
اليوم يستعيد عدد كبير من رسامينا تلك اللغة من أجل التعريف بتجاربهم الفنية. ذلك خطأ ينبغي التراجع عنه. فالرسم ممارسة حسية، واعية. نحلم ونتذكر ونستغيث ونحتج ونفاوض ونتمرّد ونصرخ ونعيد خلق العالم من خلالها، لكنها تظل موجهة إلى آخر يشبهنا.