عمر علي البدوي يكتب:
طبيعة الحضور الخليجي في المغرب العربي
عاد شكل من التواصل المكثف بين دول الخليج العربي وبلدان المغرب العربي، بعد فترة من البرود طرأ على العلاقات بين الطرفين في ما يشبه سحابة صيف عابرة، أخذت الآن في التلاشي بعض الشيء وبرزت بوادر لتأسيس مرحلة جديدة من التواصل والتعاون على أساس المستجدات التي طرأت في طبيعة بعض بلدان المغرب العربي، منذ اندلاع موجة ثانية من الانتفاضات الشعبية أزاحت الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، فضلا عن تحولات تونس ما بعد الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، إضافة إلى رمال الواقع الليبي المتحركة منذ قرابة عقد.
العلاقات بين الطرفين تأتي في إطار صعود القيمة العملية لدور دول الخليج العربي في المنطقة، ولم تسلم من تأثير الخلافات البينية التي تتبناها دولة قطر في تعاطيها مع قوى محلية لبعض بلدان المغرب العربي، أو انخراطها في دعم أجندة فاعلين إقليميين تأتي بطبيعة الحال ضد خيارات جيرانها على نحو ما يحدث من دعم المجهود التركي في الواقع الليبي وتوفير الغطاء المالي والإعلامي له عبر منصات الدوحة وقنواتها المؤدلجة .
غير أن الحضور الخليجي في بلدان المغرب العربي أخذ يتعاظم ويعود إلى سابق عهده، ويتضح بشكل جليّ في الفترة الأخيرة، كما أن مستوى الزيارات المتبادلة أخذ في التزايد ولاسيما بين المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية لتبديد ما راج عن برود طرأ على طبيعة العلاقات بين البلدين على خلفية عدد من الملفات المختلفة خلال الفترة القصيرة الماضية.
ولكن الأنباء التي تتوقع أن يزور العاهل المغربي الملك محمد السادس السعودية خلال الأسابيع القليلة القادمة ستقطع مع هذه التكهنات، ويفترض بها أن تزيل الغموض الذي يكتنف طبيعة العلاقة بين البلدين، في حال لم يطرأ تغيير بسبب الآثار المترتبة على انتشار فايروس كورونا والاحتياطات غير المسبوقة التي اتخذتها الكثير من الدول لاتقاء تفشيه.
ويتوقع أن تحيي هذه الزيارة مستوى التنسيق الذي شهدته القمة الخليجية المغربية الأولى عام 2016، عندما التقى قادة ودول مجلس التعاون الخليجي الملك محمد السادس في أول لقاء قمة بعد إرساء الشراكة الاستراتيجية بين منظومة مجلس التعاون الخليجي والمغرب سنة 2011.
وشهدت الرياض زيارات متواترة لقادة عدد من دول المغرب العربي، بدأت بوصول الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني إلى السعودية للقاء الملك سلمان بن عبدالعزيز، وهي ثاني دولة خليجية بعد الإمارات يزورها الرئيس الموريتاني منذ انتخابه في يونيو 2019.
زيارة تزامنت أيضا مع تنقل كل من الرئيس الجزائري المنتخب حديثا عبدالمجيد تبون ووفد مغربي برئاسة فؤاد عالي الهمة مستشار الملك محمد السادس إلى السعودية.
الرئيس الجزائري، عبدالمجيد تبون، اختار الرياض كأول وجهة له يزورها في إطار زيارة دولة، لثلاثة أيام التقى خلالها العاهل السعودي وولي عهده، الأمير محمد بن سلمان، في أول زيارة لرئيس جزائري منذ سنة 2000 وبعد سنوات من الفتور مع العرب.
ومن شأن هذه الزيارة أن ترمم شكل الواقع الليبي الذي تناوشته التدخلات الخارجية بما زعزع استقراره ومكّن لجماعات متشددة استقطبت ميليشيات خارجية وشكلت تهديدا على أمن جيرانه في مصر والجزائر، الأمر الذي حتم على المكون العربي أن يستعيد دوره في ليبيا ويرفد الجماعات الوطنية في مهمتها التاريخية لرفض الوجود الأجنبي المتمثل في عنجهية تركيا وتدخلها السافر في الواقع الليبي.
من جهتها أشارت تقارير إعلامية أن تزامن هذه الزيارات إلى الرياض، يخفي تحركا دبلوماسيا سعوديا يهدف إلى تقديم مبادرة مصالحة وتعاون بين هذه الدول في عدة ملفات إقليمية، وعن مؤشرات حول وجود مبادرة سعودية تهدف إلى تعزيز كتلة المغرب العربي والمساعدة في إيجاد حل لنزاع الصحراء المغربية.