فاروق يوسف يكتب:

العراق في ظل غياب الدولة الوطنية

ليست مشكلة العراق في حكومته. إن بقي رئيس الوزراء المستقيل في منصبه أو تم استبداله برئيس وزراء جديد فإن المسألة سواء. ما من شيء سيتغير وما من مشكلة ولو كانت صغيرة ستُحلّ.

ولو عدنا إلى الشعارات التي رفعها المحتجون الذين خرجوا إلى الشوارع في أكتوبر الماضي لرأينا أنها لا تتضمن مطلبا يتعلق باستقالة رئيس الحكومة، وليس هناك ما يشير إلى الحكومة ورئيسها.

ما حدث أن رئيس الحكومة استقال من منصبه مذعورا بسبب مجزرة ارتكبت في حق المتظاهرين. لم يكن مطلوبا منه أن يستقيل. استقالته لا تفتح الأبواب على برنامج سياسي واقتصادي وخدمي مختلف. لذلك فإن العراقيين لا يرون في استبدال رئيس حكومة بآخر حلا لمشكلاتهم.

فالأزمة تجاوزت منذ سنواتها الأولى حدود التشكيل الحكومي. هناك نظام حزبي هو المسؤول عن الوصفة الجاهزة التي من شأنها أن تبقي معادلات الفساد ثابتة في معدلاتها، كما لو أنها قدر لا يمكن الإفلات منه.

في ظل تلك المعادلة فإن رئيس الحكومة ليس سوى موظف لدى الأحزاب، ولا يتجاوز دور وزرائه حدود القيام بتوزيع الحصص بين تلك الأحزاب.

هناك سبعة ملايين موظف. شعب لا أحد يدري ما الذي يفعله. وجوده يعبر عن بطالة مقنعة تقف في مواجهة البطالة الواقعية. الوزارات تشرف على حركة ذلك الشعب العاطل والمكلف في الوقت نفسه، والذي لا يحتاج إلى نصائح لكي يكون غائبا عن الوعي.

خرج المتظاهرون في أكتوبر الماضي مطالبين بإسقاط النظام. ذلك لأنهم يدركون أن النظام القائم على أساس المحاصصة الحزبية لا يصلح ليس لإدارة دولة، بل لقيام تلك الدولة.

لقد أدرك العراقيون بعد كل هذا الزمن العصيب أن الأحزاب التي تمكنت من السلطة ليست في نيتها إقامة دولة. فالدولة بالنسبة لحزب الدعوة، الذي حكم العراق اثني عشر عاما، هي نوع من المحرمات الدينية وهو ما لا يعرفه الكثير من متابعي الشأن العراقي.

لم ترَ دولة العراق الجديد النور، بالرغم من أنه شهد أربع انتخابات ديمقراطية كانت نسبة المشاركين فيها تتضاءل مع مرور الوقت.

الأحزاب المهيمنة على السلطة غير معنيّة بقيام دولة. تلك حقيقة ينبغي وضعها في الاعتبار حين يتم البحث عن جذور المشكلة العراقية.

لقد جرت العادة على اختيار رئيس حكومة، تكون حكومته مجرد واجهة لعمليات الفساد المستمرة. ما حرصت عليه الأحزاب لا يخرج بعيدا عن وصفتها السحرية. أن يكون ذلك الكائن المسمى رئيسا للحكومة شاشة لعرض مشكلات لا تمت إلى الحقيقة بصلة. حدث ذلك في أقسى الأوقات التي تعرض العراق فيها لهجمة الإرهاب العالمية. فالمطلوب أن لا يتصفح العراقيون ملفات النظام الذي يحكمهم في ظل محاصصة انتهت إلى أن تضع كل أوراقها في سلة واحدة.

في حقيقة الأمر فإن العراق بالنسبة للأحزاب بغض النظر عن تمثيلها الوهمي للمكونات الطائفية والعرقية هو مستعمرة إيرانية. كان قاسم سليماني يديرها نائبا للمرشد الإيراني الأعلى والآن يتولى إسماعيل قآني إدارتها.

ما لا يتوقع أحد حدوثه أن تتخلى تلك الأحزاب عن حصصها في نظام تحميه الولايات المتحدة، وترتجف هلعا من أجله بعض الدول الإقليمية. تلك وصفة سحرية وجد العراقيون أنفسهم في مواجهة ألغازها.

ما صار واضحا بالنسبة للعراقيين أن كل الخيارات المحتملة لن تقدم حلا لمشكلتهم التي يمكن تلخيصها بغياب الدولة الوطنية. وهو ما تسعى الأحزاب إلى تطبيعه باعتباره واحدة من أهم ثمار الديمقراطية التي جلبها المحتل الأميركي.

العراقيون صاروا على بينة مما حدث ويحدث لهم. ذلك التحول في الوعي كان قاعدة للرفض الشعبي لاستمرار النظام والمطالبة بإسقاطه برمته من غير النظر إلى شخصية من يحكم.