محمد أبوالفضل يكتب:
سيناريو افتراضي لتعامل الإخوان مع كورونا وهم يحكمون مصر
كتبت في “العرب” في الأول من أبريل مقالا بعنوان “حسنا فعلت جماعة الإخوان في التعامل السلبي مع كورونا” ولم يكن في تفكيري استكماله بآخر افتراضي يؤكد أن المصريين تخلّصوا من كابوس كان كفيلا بتدمير نمط حياتهم المستقرّ لو استمر الإخوان طويلا في الحكم. ولأن المحن تكشف معادن الشعوب والحكام والأفراد والكتل السياسية كان سيسقط هؤلاء في بئر كورونا بامتياز، وهو سقوط يحمل في جوهره تكاليف باهظة.
يبدو هذا حديثا في ظاهره عن الماضي أو سيناريو تخيّليا، لكن في مجمله حديث مهم عن الحاضر لاستخلاص العبر والدروس بما يفيد في المستقبل، كي نعرف لماذا تقاوم الشعوب تسلّط الإخوان وهم في الحكم أو المعارضة، وإلى أيّ درجة نجت مصر من جحيمهم. فبعد حوالي سبعة أعوام من إبعاد الجماعة عن السلطة تتصرف قياداتها وأدواتها من الدوحة وإسطنبول وكأن شيئا كبيرا اسمه كورونا لم يعمّ العالم ويهدّد البشرية.
نفس الخطاب والمفردات والمضمون الحافل بالازدواجية والأنانية والانتهازية. وبالطبع نفس الحصيلة من التناقضات وعدم التجاوب الشعبي والخذلان، مع ذلك هناك إصرار على التكرار.
في الوقت الذي زالت فيه الحدود والهويات والأديان ووجدنا دولا كثيرة تتكاتف لتخفيف تداعيات المرض يتصرّف الإخوان بطريقة مؤدلجة، والنظر إلى الجائحة على أنها غضب من الله على عباده من غير المسلمين، ولا يريدون اتّباع العلم في الوقاية، ويحرّكون أنصارهم لعدم الانصراف من المساجد، والتظاهر في الشوارع بذريعة الدعاء على كورونا، وعدم تلبية النصائح الطبية وتجاهل الفتاوى الدينية العاقلة، ما يعني المساعدة في زيادة انتشار المرض الذي يعدّ العزل العام أحد أهم أساليب مقاومته.
بالتالي لو أن الإخوان لا زالوا يقبضون على زمام السلطة في مصر لما استجابوا لنصائح منظمة الصحة العالمية وإرشاداتها، وضربوا عرض الحائط بتحذيرات القوى الكبرى، وتركوا الناس يلقون حتفهم، بحجة أن الوباء قضاء وقدر وليس من الضروري اتباع العلم. كما أن المصلحة تقتضي استمرار عجلة الإنتاج، وهو الطريق الذي تمضي فيه قوى إسلامية عديدة ترفض تبنّي الإجراءات اللازمة للحجر الصحي، ما يؤدي إلى ارتفاع نسب الإصابات والوفيات.
كانت قيادات الجماعة ستسخّر كل أجهزة الدولة لحماية الكوادر المنتمية لتنظيمها أولا والمسلمين ثانيا، ثم تترك بقية المواطنين لمواجهة مصير مجهول. وتنتقي من يستحقّون ومن لا يستحقّون من المسلمين. وتقدّم الخدمة الطبية وفقا لدرجة الإيمان ومستوى الولاء أو المعارضة. وتفضّل إرسال المساعدات للمسلم الماليزي البعيد عن تقديمها للمسيحي المصري القريب، ما يشعل نيران الفتنة التي تتغذّى عليها.
مع حرص الدول على عودة مواطنيها من الخارج وتوفير سبل الراحة لاستقبالهم وعزلهم لمدة معينة، كانت جماعة الإخوان ستتصرف بشكل انتقائي ومحاباة أعضائها. وتستخدم ما يتيسر من إمكانيات محدودة لعودتهم ثم يأتي أنصارها، ثم المحبّون لها وهم في مرتبة أدنى في الهرم الإخواني، وما دون ذلك لا ضرر في أن يواجهوا الموت جوعا أو عبر كورونا، فالتدين المنقوص الذي يهتم بالمظاهر ويُعلي من شأن الانتماء الأيديولوجي يفعل أكثر من ذلك.
كان حال المصريين في عهد الإخوان لن يختلف عن حال أشقائهم في العاصمة الليبية، حيث تتحكم الميليشيات التابعة لحكومة الوفاق الوطني في الطواقم الطبية وتمنح أنصارها أولوية الكشف والعلاج دون اكتراث بتقدير من يستحقون تلقّي الخدمة أوّلا على أساس طبي، وعدم التفرقة بين كبير وصغير. فالتصنيف العقائدي مركز الاختيار، مع تغييب الضمير العلمي والإنساني أو تكييفه بما يتسق مع خطاب “الجيتو” الذي يتبناه الإخوان.
لن نجد جيشا مصريا ينزل الشوارع وينظف الميادين والمؤسسات الرسمية ووسائل المواصلات، ويقدم خدمات طبية مختلفة، وينتج بنفسه الكثير من المكوّنات التي تساهم في تخفيف آثار المرض، لأن الجماعة لا تؤمن أصلا بالجيوش النظامية، وتحرص على تفكيكها ما لم تضمن الولاء التام لها فقط وليس للوطن، ولا تتوانى عن توفير جيوش غير نظامية موازية، تتمثل في العصابات والكتائب الإرهابية المسلحة التي تنتعش وسط الانفلات.
لك أن تتخيل مع وجود هؤلاء، هل كان من الممكن زيادة السيطرة على المرض، أو فرض حالة الحجر الصحي العام والالتزام بحظر التجوال؟ هل كانت العبادات ستتوقف في المساجد ويتم تنفيذ كل مقتضيات التباعد الاجتماعي بدقة، بينما الجماعة تحرّض الناس على الخروج للدعاء في الفضاء كأن الله لن يسمع الدعاء وهم في البيوت؟
من السهولة توقّع الإجابة على هذه الأسئلة الملتبسة لديهم، فقد كانت الحياة ستتحول إلى فوضى، وبدلا من نهر الناس لإجبارهم على التزام بيوتهم ستقوم كتائب الإخوان بإجبارهم على التخلي عنها، ودفعهم لممارسة حياتهم بصورة طبيعية أو أقرب إلى ذلك، واستخدام خطاب ديني معلّب في مثل هذه الحالات، يشير إلى الصبر على البلاء، أو على طريقة المثل الشعبي “اللي (ما هو) مكتوب على الجبين لازم تشوفوا (تراه) العين”.
أصبحت دبلوماسية الصحة واحدة من الأدبيات التي عززها كورونا في العالم، ويقاس القرب والابتعاد بين الدول بحجم التعاون في المجال الطبي وتوقيته، لذلك كانت الجماعة ستسقط في هذا الاختبار، لأنها لا تملك العطاء والحرص على مساعدة الآخرين، ولن تجد من يمدّون لها يد العون في ظل تصنيفها للبشر بين مؤمنين وكفار.
إذا كان الفريق الأول (المؤمنون) وفقا لحسابات الجماعة ينطبق على الدول المسلمة وغالبيتها فقيرة في المجال الطبي، فإن حكم الجماعة كان سيواجه كارثة إنسانية، لأن الوصفات الشعبية لا تجدي مع كورونا، بينما يملك الفريق الثاني، ويشمل الصين واليابان، والمعروف بـ”الكفار” وفقا للتصنيف الإخواني، الكثير من العلم والمعرفة بالتعامل مع خفايا المرض.
ربما ارتاح الإخوان لهذه الجائحة، على اعتبار أنها يمكن أن تخلّصهم من خصومهم بضربة حظ، فقد فشلت محاولات الاستقطاب والاحتواء، ولن يبقى أمام الجماعة إلا ترك المعارضة في العراء دون خدمات صحية تحتكرها قياداتها لمؤيدي الإخوان، ويتحول المرض إلى فرصة سانحة ترفع عن كاهلها المعاناة في إيجاد وسيلة مناسبة للتخلص من هؤلاء.
لأن عدد سكان مصر يبلغ مئة مليون نسمة ستجد الجماعة في كورونا مدخلا “ربّانيا” للتخلص من ربع هؤلاء أو نصفهم، بالتالي تتحلل من ثقل يقبع على صدرها يتمثل في التضخم السكاني، وتتمكن من تفريغ جزء معتبر من الجيوب الشعبية المتكدسة بالبشر التي يصعب الهيمنة عليها، ويستحيل ضمان ولائها بآلية السمع والطاعة.
لم اخترع السيناريو السابق صدفة، حيث جال فعلا في أذهان كثير من المصريين، ورأوا كيف تتصرف قيادات الإخوان حاليا مع الجائحة، وأيقنوا بضرورة عدم ترك نافذة تتسلل منها جماعة تتعامل مع كورونا على أنه فرصة لاستعادة بريقها، وتتصور أن انشغالات الحكومة بالمرض ربما تنسيها الصراع المحتدم مع الإخوان، لكن ردود الفعل السلبية مع توجهات الجماعة جاءت من رحم الخبرة، وعززت القطيعة للأبد، لأن التفكير في ما يمكن أن تقوم به الجماعة حيال هذه الأزمة يكبح التعاطف معها، لأنه والكارثة سواء.
يؤكد هذا التصور أن ماضي الجماعة هو عنوان حاضرها ومستقبلها، ولأن الأمم لا تحتاج للتعرف عمليا على قدرتها في تجاوز الشدائد، أثبت كوفيد – 19 أن الشعوب ليست بحاجة إلى فكر الإخوان، فقد تجاوزه الزمن، ومن رسب في الاختبارات البسيطة يرسب أيضا في العظيمة، فما بالنا إذا كانت الأخيرة مفاجأة من العيار الثقيل، ماركة كورونا المستجد.