علي عبيد يكتب:

«كورونا» يحسن جودة الهواء

كشفت مجلة «ناشيونال جيوغرافيك» عن أن فيروس «كورونا» المستجد أنقذ كوكب الأرض بعد أن كادت تحل به كارثة بسبب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتج عن دخان المصانع وعوادم السيارات والطائرات واعتداء الإنسان على البيئة.

وأوضحت أن الأرض تنفست بشكل كبير بعدما توقفت الحركة في معظم دول العالم، وخصوصاً الصناعية منها، وأن ثقب الأوزون قد التأم فوق القارة القطبية الجنوبية، وتحسن الهواء في 337 مدينة في العالم.

فالصين التي تعد من أكثر الدول تلوثاً في العالم، وتعد مسؤولة عن %30 من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، أصبحت تتنفس هواءً أنقى بفضل كورونا، كما أظهرت ذلك صور مسجلة بواسطة الأقمار الصناعية، حيث اختفى اللون الأصفر الدال على التلوث الذي كان يغطي خريطة الصين الملتقطة من الجو في صور التُقِطت قبل جائحة كورونا المستجد، بعد شهر واحد فقط من الجائحة.

كما بدا هذا واضحاً في الصور التي التُقِطت للمدن الصينية قبل وبعد الجائحة، والتي أظهرت اختفاء غيوم الغاز والغبار التي كانت تغطي هذه المدن وتحجب عنها السماء.

وفي مدينة البندقية الإيطالية، التي تعد المدينة الأولى في أوروبا التي طبقت نظام الحجر الصحي، ظهرت مياه قنوات المدينة بعد أسابيع قليلة من تطبيق الحجر نقية وشفافة، وظهرت الأسماك الصغيرة وطيور البجع والدلافين في القنوات، وأعلنت وكالة الفضاء الأوروبية أن نسبة التلوث انخفضت في إيطاليا بعد الحجر الصحي.

وهنا في دولة الإمارات كشفت هيئة البيئة في أبوظبي عن حدوث انخفاض ملحوظ في تراكيز ملوثات الهواء في إمارة أبوظبي، مع الانخفاض الكبير الذي شهدته حركة المرور والأنشطة البشرية الأخرى بالإمارة، في أعقاب الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة للسيطرة على جائحة فيروس «كورونا» المستجد.

وأظهرت بيانات الهيئة انخفاضاً بنسبة 50٪ في متوسط غاز ثاني أكسيد النيتروجين مقارنة بالأسابيع الستة التي سبقت إجراء الاختبار، بفعل انخفاض حركة المرور، حيث يعد قطاع النقل أحد المصادر الأساسية لغاز ثاني أكسيد النتروجين، كما تم رصد انخفاضات كبيرة للملوثات الأخرى المرتبطة بالنقل البري، مثل المركبات العضوية المتطايرة وأول أكسيد الكربون.

هذه الأرقام والبيانات التي نشرتها هيئة البيئة في أبوظبي تظهر تأثير الأنشطة البشرية في البيئة، وتدعو الجهات الحكومية المعنية على المستويين الاتحادي والمحلي إلى التحول إلى اقتصاد أكثر استدامة يعمل على تحسين جودة الهواء، والحد من آثار تغير المناخ.

كل هذا يعني أن جائحة فيروس «كورونا» المستجد لم تكن شراً كلها، إذ يبدو أن العالم كان متجهاً نحو كارثة كبرى بسبب انبعاثات الغازات الضارة، وأن بقاء الناس في بيوتهم بسبب الجائحة ساهم بشكل كبير في حماية أرواح آلاف البشر والحيوانات، رغم الخسائر البشرية التي سببتها الجائحة، وجعل الطبيعة تلتقط أنفاسها بشكل عجزت كل المنظمات والمؤسسات البيئية في العالم عن فعله، مثلما جاء في تقرير ناشيونال جيوغرافيك، ومثلما تؤكد بريجيت تيستو، مديرة قسم الأبحاث والتطوير بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية بباريس، صاحبة الباع الطويل في الدعوة لاحترام الطبيعة ومواجهة التغييرات المناخية التي تسببت فيها السلوكيات الخاطئة للبشر على مر عقود من الزمن.

لهذا فإن البشر إذا لم يتعلموا هذه الدروس من جائحة «كورونا» المستجد، فإن كوارث أكبر من الجائحة ستحل بالكرة الأرضية، وعندها سيقف الجميع عاجزين تماماً عن وقف هذه الكوارث، مثلما ظهر عجزهم الكبير عن مواجهة فيروس صغير أوقف الحياة في أنحاء الكرة الأرضية كلها، ودمر اقتصادها، وكشف عورات البشر، وأظهر أنانيتهم وتخليهم عن الكثير من القيم والمبادئ التي طالما ادّعوا التمسك بها قبل الجائحة.

ومثلما كان لفيروس «كورونا» المستجد دور إيجابي في تحسين جودة الهواء والحد من تدمير البيئة والمناخ، فقد كان له أدوار إيجابية أخرى في حياتنا، لو بحثنا عنها لوجدنا عقولنا عاجزة عن فهم ما يحدث في هذا الكون، ولأدركنا أننا يجب ألا نقف أمام بعض الكوارث فاغرين أفواهنا، منتظرين أن نخرج منها لنعود إلى سيرتنا الأولى في تدمير الأرض التي نعيش عليها وجلب الدمار إلى كوكبنا، مغترين بقوتنا وجيوشنا التي تقف اليوم عاجزة أمام فيروس صغير لا نستطيع رؤيته بأعيننا المجردة، يفتك بالبشر ويحول دون تحقيق أمنياتهم الصغيرة، ويمنعهم من ممارسة عاداتهم التي لم يتصوروا يوماً أنهم سيحرمون منها، أو أنهم سيمارسونها تحت قيود وشروط مشددة، كأن يستمتعوا بشرب فنجان من الشاي أو القهوة في مقهى داخل مركز تجاري كبير، أصبح اليوم مهجوراً بفعل الفيروس الذي غدا يفرض قوانينه على البشر جميعاً، ويعلمهم كيف يعيشون.

ترى كم من السلوكيات علينا تحسينها قبل أن تتدخل الفيروسات لتحسين جودة حياتنا، وليس تحسين جودة الهواء الذي نتنفسه فقط؟