جهاد الحجري يكتب لـ(اليوم الثامن):
ثورة سبتمبر.. بداية النهاية لعدن العظمى والجنوب التاريخي
من المخجل بل ومن المعيب أن نرى من أبناء جلدتنا في الجنوب، من يحتفل بذكرى 26 سبتمبر الشمالية، بعد كل ما تسببت به من مآسي وكوارث للشعب الجنوبي على مدى خمسة عقود وأكثر.
ولمن يشك في حجم قبح تلك الثورة المزعومة، فما عليه إلا أن يقارن بين الوضع اليوم في الجنوب، وكيف كان الحال قبل النكبة القادمة من الشمال في عام 1962.
فعدن كانت ثاني أهم ميناء على المستوى الدولي، وكانت أحد أهم المراكز التجارية الكبرى في العالم، ولا تزال المسلسلات والأفلام الإنجليزية التي أنتجت في الستينات، تشير إلى المدينة الجنوبية باعتبارها أرض الأحلام.
كان أقصى طموح لغير العربي أن يكون مواطناً في عدن، بعد أن تحولت إلى مدينة كوزموبوليتانية تضم جميع الأعراق والديانات، في كيان مدني ليس لأحد منهم أي محسوبية إلا بالقانون فقط.
وكان معدل دخل الفرد في الجنوب، قبل نكبة سبتمبر الشمالية، يفوق عشرين ضعف نظيرة من سكان اليمن، وكانت أرقى وكالات الأزياء والعطور العالمية تتسابق لافتتاح فروعها في عدن، في الوقت الذي لا يزال الشماليون يمارسون الطرق البدائية في الزينة.
كان لك أن تمضي من أقصى الجنوب إلى أقصاه آمناً ليس لأي أحد الحق في ابتزازك، أو نهب ما لديك، وفي حال تعرضت لأي مضايقات، فبإمكانك أن تقاضي أكبر مسؤول أمني في المنطقة، كائناً من كان.
بعد عقود من الصدارة، جلبت لنا 26 سبتمبر قرود الشمال، وتحديداً محافظة تعز، الذين حولوا عدن إلى مدينة أشباح، واستطاعوا عبر دعاوي مزيفة أن يحكموا الجنوب بالنار والحديد، وأن يروجوا لوحدة مشؤومة مع موطنهم الشمال، بعد أن منحوا أنفسهم الحق في التحدث باسم الجنوب.
ولم يكتفوا بتدميرها بل جلبوا لها أفكارهم المناطقية الدنيئة، وبدأوا يصنفون سكان عدن إلى فئات، بعد أن كانوا مواطنين متساوين لسنوات طويلة، وجعلوا لعرب 48 الأولوية في إدارة المدينة، ونهب الثروات وتقاسم المناصب، على حساب المواطن الجنوبي الأصيل، الذي دفع غالياً ثمن سلميته وتعايشه مع الآخر.
ونذكر أولئك المحتفلين بأن الثورات الحقيقية لا تجلب العار للناس، بل تزيد من قيمتهم الإنسانية والمعنوية، وتعزز قيم المواطنة ودولة القانون، أما ثورتكم المزعومة فقد جلبت لنا ثقافة القبيلة والأعراف المتوحشة، التي لا توائم عصر القرن العشرين، في حينه.
ثم إن الشماليين أنفسهم انقلبوا على تلك الثورة، وعادوا للملكية، ويستميتون في الدفاع عنها، والسبب أن تلك الثورة حافظت على نسبة الجهل والأمية في اليمن، فلم يشعر أي منهم بأي فارق بين الجمهورية والملكية.
وبعد 26 سبتمبر 1962 كان الواجب أن يرتقوا بوطنهم إلى مستوى الجنوب من المدنية والتحضر، إلا أنهم اتجهوا للعكس، وعمموا ثقافة ووضع الشمال إلى الجنوب بذريعة الوحدة.