عمر علي البدوي يكتب:
الحوار الإستراتيجي مع واشنطن لتثبيت حالة التفاهم
في توقيت مهم وشديد الدلالة، وعلى مقربة من النزال الانتخابي الذي تستعد له الولايات المتحدة والعالم لتحديد الساكن الجديد أو المتجدد للبيت الأبيض، تتابعت الحوارات الاستراتيجية التي جمعت الدول الخليجية بواشنطن، فيما يبدو أنه مسعى لتثبيت بنود التفاهم وشروط استقرار العلاقة والحفاظ على مكتسبات المرحلة الراهنة وتجنيب القيم الاستراتيجية رياح الحسابات التكتيكية والوقتية.
تبدو مفردة الاستراتيجية في نوع الحوار بين الطرفين دلالة كافية لتفسير حالة التفاهم على ثوابت العلاقة الضرورية في حسابات الخليج والمنطقة والعاصمة واشنطن، والخروج بها من مرحلة التوافقات الشكلية والتطمينات العابرة إلى تطوير حقيقي لمستوى التفاهم والتواصل وتبادل المنافع.
واشنطن لاعب مهم، ويجب تقدير حجمه وتثمين دوره في إرساء قواعد مستقبل المنطقة، لا يسع الخليج أن ينساق لدعايات رغبوية تثبط من حقيقة الفعالية الأميركية في الفضاء الدولي.
وهذا لا يعني بالضرورة وضع كل الرهان في سلة واحدة، إذ أضحت العواصم الخليجية فاعلة ومؤثرة ومستقلة بما يكفي لتنويع خياراتها، والاستفادة من وزن وتأثير ما طوّرته خلال العقود الماضية من صون استقرارها وتنمية قدراتها وتأهيل قوى الإنسان لديها.
قدّمت مرحلة الرئيس باراك أوباما وما رافقه من زمن فوضوي، درساً مهماً في إعادة النظر في طبيعة وشكل العلاقة مع المجتمع الدولي والعواصم المؤثرة فيه، وقد وصف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تلك المرحلة بقوله “خلال فترتي رئاسة أوباما، عمل ضد أجندتنا، ليس في المملكة فقط، بل في الشرق الأوسط، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة عملت ضد أجندتنا، إلا أننا كنا قادرين على حماية مصالحنا، والنتيجة النهائية أننا نجحنا، والولايات المتحدة تحت قيادة الرئيس أوباما فشلت”.
قدمت مرحلة الرئيس باراك أوباما وما رافقه من زمن فوضوي، درساً مهماً في إعادة النظر في طبيعة وشكل العلاقة مع المجتمع الدولي والعواصم المؤثرة فيه
الآن، لا تنظر عواصم الخليج، لاسيما الرياض وأبوظبي، إلى واشنطن أو أي من شركائها في العواصم المهمة، نظرة عاطفية غير واعية، بل تنظر إليها بطريقة معتدلة ومحسوبة، شراكات حقيقية ومفيدة، قد تتأثر برياح الأحداث المتقلبة، لكن المهم أنها لا تتنكر للثوابت الاستراتيجية بما يشجع على الريبة والشك وفقدان الثقة المؤذي للجميع.
تعيش المنطقة مرحلة مختلفة ومنعطفاً مهماً في تاريخها، وليست رياح التطبيع التي تجمع بعض عواصمها بدولة إسرائيل، إلا واحدة من تجليات المرحلة المغايرة، ولا يسع المنطقة أن تكون رجع صدى لما تدلي به الانتخابات الأميركية في كل دورة.
يجب أن تتجاوز العلاقات هذه المواقف الانطباعية والمتذبذبة، وأن تستقر على شوكة الحوار العميق والاستراتيجي الذي ينجو بها من أمواج الأحداث ومناخات السياسة وتقلبات الأمزجة التي تحكم في كل مرة.
ينبغي أن تمدّ المؤسسات بين البلدان جسور التآزر والتناظر، بوصفها راعية لقيم الثبات والاستمرارية ومؤهلة لتطويرها، لضمان قطع الطريق على تسويق المشاريع الأيديولوجية في أروقة المؤسسات السياسية لتمرير أجندة لاعبين إقليميين يهدفون لاختراق المنطقة وتفتيت ممانعتها واحتواء مقدراتها والسيطرة عليها، قوى إقليمية تحفّزها أحلام التوسع الإمبراطوري وأشباح من رماد التاريخ القديم، تعِد المنطقة بعقود من الظلام والفوضى والخراب.
بقيت ضرورة واحدة لإنجاح برامج التواصل الاستراتيجي، وهي تقليص مسافات الاختلاف بين العواصم الخليجية، ليس على نحو متطابق تماماً، ولكن أقل حدة في تبايناته، لقد سبحت بعض عواصم الخليج لفترة في فلك مختلف تماماً عن بقية مجموعها الواحد، بما ضعضع من قيمة الكل الخليجي في حسابات العواصم الكبرى، وغرز عصا التشتيت والعرقلة في دواليب العمل على مشروع خليجي توافقي ومفيد لأطرافه، دون تنافس سلبي وتشاحن ضارّ.