محمد خلفان يكتب:

المسلمون.. بين إساءة ماكرون وانتهازية أردوغان

يحتاج تعاملنا مع ملف الإساءة للرسول إلى التفكير في أبعاد الأزمة التي تثار بين الحين والآخر، وفي حالات كثيرة دون مناسبة سوى من أجل تحقيق أهداف لبعض السياسيين، ويتم جر المسلمين غير المؤدلجين تحت عاطفة دينية إلى ملفات أخرى ربما نتائجها السلبية تحتاج إلى وقت كي تظهر بشكل واضح.

كلنا يدرك أن هناك حالة من الصدام السياسي العنيف بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يواجه ضغوطاً سياسية واقتصادية داخلية وخارجية قبل أن تظهر أزمة الإساءة إلى النبي في فرنسا، ومن ثم قتل المدرس الفرنسي، صامويل باتي، من قبل طالب شيشاني لأنه أساء إلى الرسول. الحادثة التي استغلها أردوغان ومن يتبعه من تيارات الإسلام السياسي ليحوّل خلافه الشخصي مع ماكرون في توريط كل المسلمين في الأزمة، مستخدما هو وأتباعه أنواعا من المفردات ذات النفس الديني العالي المحفزة لمقاطعة المنتجات الفرنسية مثل “لأجل رسول الله”.

وبما أن السعودية هي الدولة التي تقف لأردوغان بالمرصاد في مشاريعه السياسية في العالم العربي، واستطاع السعوديون أن يضغطوا على غطرسته السياسية في الإقليم من خلال مقاطعتهم للمنتجات التركية، فمما لا شك فيه أن ما اعتبر إساءة من ماكرون للرسول مثّل “طوق نجاة” ينقذ أردوغان ويفك من عزلته السياسية التي وضع نفسه فيها، حيث دفع كلام ماكرون بالإعلام التابع لـ”الإخوان المسلمين” لشن حملة على فرنسا ورئيسها.

وفيما استنكرت الحكومة السعودية الرسوم المسيئة للرسول، وأدانت كل الأعمال الإرهابية، طالبت أن تكون حرية التعبير مرفقة بإيجاد بيئة للتعايش والسلام. فقد جاء موقف هيئة كبار العلماء واضحا. اعتبرت أن الإساءة للرسل والأنبياء لن تضرها بقدر ما تخدم مصالح المتطرفين، ومنهم بكل تأكيد من يمثلون تيارات الإسلام السياسي وعلى رأسهم تنظيم “الإخوان المسلمين”، الذي يجسده في هذه الأوقات مشروع الخلافة العثمانية بقيادة أردوغان، الذي اعتدنا منه “فهلوته” في توظيف كل ما هو ديني وإسلامي لخدمة أجندته السياسية، وليس دفاعاً عن القضايا التي تهم المسلمين كما يدعي، ولنا في أسطول الحرية لإنقاذ شعب غزة عام 2010.. عبرة لمن يريد أن يتذكر.

الانزعاج والانفعال من الإساءة إلى الأنبياء كلهم، وليس فقط إلى النبي محمد، هو أمر طبيعي ومتوقع من كل مسلم، مهما كانت درجة إيمانه، لكن سذاجة بعض السياسيين الشعبويين والذين لا يفكرون سوى في تحقيق انتصاراتهم الشخصية ويستخدمون لغة سياسية حادة ومتطرفة، تضع كل الجهود الإسلامية والعربية في مأزق جديد. فالذي خرج به أردوغان لا يمكن اعتباره مسعى للدفاع عن مصلحة المسلمين والرسول، وهو يدرك أكثر من غيره ماذا يمكن أن تكون النتيجة على الجاليات المسلمة التي تعيش في المجتمعات الغربية.

وفي الوقت الذي ندرك فيه أن دفاعنا عن الرسول والأنبياء يمكن أن يُستغل من السياسيين الباحثين عن مخرج من أزماتهم السياسية والاقتصادية، إلا أنها فرصة أيضا للكشف عن “الخلايا الإخوانية النائمة”، سواء منها من أعلن الخروج عن الجماعة، أو من ما زال ينشط في المجتمعات الخليجية، بطريقة تبدو بريئة، ولكنها تسعى لخدمة أجندات سياسية بطريقة غير مباشرة، ليكشف عن مدى تأثير الحملة في دول خليجية الكل كان يعتقد أنها سيطرت على تيار الإخوان المسلمين داخلها

إن رد أردوغان على إساءة ماكرون للرسول هي طريقة مثالية لبث خطاب سياسي متطرف باسم الإسلام، وأفضل طريقة لتشتيت جهود الحكومات والتنظيمات الإسلامية في الدفاع الحقيقي والموضوعي عن المقدسات.

استخدام تيارات إخوانية لمفردات تتهم بالخيانة كل من لا يشاركها الرأي، هو استغلال لحب المسلمين المتعاطفين مع الرسول، وتوظيف هذا التعاطف في خدمة أجنداتها السياسية، رغم أن الضربات السياسية والإعلامية التي وجهتها دولة الإمارات لمشروعاتها تركت أثرها وحققت نجاحها.