ماجد السامرائي يكتب:
ماذا سيقدم بايدن للعراقيين؟
تؤكد وقائع ربع قرن أن شعب العراق هو من أكثر شعوب العالم الذي لحق به أذى حكام البيت الأبيض ومن سيحكمه اعتبارا من أواخر يناير 2021. لا فرق بين من ينتمي منهم إلى الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، بل إن الرؤساء الأربعة (كلينتون وجورج بوش الأب والابن وأوباما) من كلا الحزبين فضحوا ومزّقوا ورقة شعارات الحرية والديمقراطية التي رفعوها لدعم شعوب العالم.
لم يتردد أحدهم، جورج بوش الابن، في كشف تعرضه لخدعة مخابراته في امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، لكنه لم يندم لا هو ولا أبوه على جريمة حصار شعب العراق وقصفه بالطائرات ثم اجتياحه واحتلال أرضه.
تاريخياً، ارتبط المَفَصَل المهم في علاقة العراق بواشنطن، بعد تولي كل من الخميني وصدام حسين للحكم في كل من بغداد وطهران، بتوقيت متقارب من عام 1979 واشتعال الحرب بين البلدين في العام الذي تلا توليهما السلطة.
شخصية جو بايدن السياسية كمتمرس مخضرم تفرض عليه أسلوبا مختلفا عما كان عليه الرئيس ترامب، الموصوف بالتهوّر والشعبوية، سينشغل بتأثيرات جائحة كورونا على الوضع الأميركي الداخلي
طهران الخميني حجزت الدبلوماسيين الأميركيين في مقر السفارة الأميركية بطهران لمدة 444 يوما كرهائن، ولم يتمكن الديمقراطي جيمي كارتر من إنقاذهم بعمليته العسكرية الفاشلة، لكن إيران الخميني تواطأت مع المرشح الجمهوري، رونالد ريغان، للفوز بالانتخابات. وارتبط اسم ريغان بفضيحة “إيران غيت” لتسليح طهران عبر تل أبيب، عام 1985، خلال الحرب العراقية الإيرانية، وتوظيف أموالها ضد ثوار نيكاراغوا، وأشرف جورج بوش الأب، حين كان نائبا للرئيس ريغان، على تلك الصفقة التي تمت في باريس بحضور رسمي إيراني وممثل المخابرات الإسرائيلية.
رغم هذه الوقائع في دعم ريغان لإيران، فقد بالغ صحافيون أميركيون على صلة بجهات استخبارية، وكذلك عراقيون عملوا في دوائر استخبارية عراقية، في ترويج قصة الدعم الأميركي للعراق في حربه ضد إيران. والحقيقة هي أن العراق خلال أيام الحرب، وبسبب تبعية السلاح العراقي للاتحاد السوفييتي السابق، كان مضطرا إلى التعامل مع تجار سلاح بعضهم أميركيون يشتغلون في دوائر استخبارية قبل تحولهم إلى تجار سلاح.
شعب العراق، وليس حكومات وسياسيو الأحزاب خلال الاحتلال الأميركي والإيراني، لا يحمل ودّا لرؤساء الولايات المتحدة، والعراقيون غير مكترثين بهزيمة ترامب وفوز بايدن. كلاهما لم يقدم لهذا الشعب المبتلى بحكام جهلة وفاسدين ما يعينه على استرداد سيادة بلده وإعادة حقوقه المنهوبة. سياسيون شيعة وحدهم يتبادلون التهاني بفوز بايدن، ولا يُستبعد إرسال كبارهم برقيات تهنئة للسفارة الأميركية ببغداد، التي نظموا الهجمات على مبانيها خلال الشهور الماضية، ما يؤكد كذب عدائهم لأميركا التي نصّبتهم في الحكم، وأن تلك الحملة عبارة عن تعليمات المرشد الأعلى في طهران ضد ترامب ليس إلا.
حمل العراقيون تجاه جو بايدن انطباعا غير إيجابي، خلال السنوات الثماني عشرة الماضية، فقد وقع على قرار إجازة الحرب ضد العراق عام 2003 داخل الكونغرس الأميركي، رغم انضمامه في ما بعد إلى قائمة المسؤولين الأميركيين المعتذرين، كما شجع بايدن فكرة تقسيم هذا البلد طائفيا عبر مشروعه المعروف الذي لم يمت إلى حد الآن.
خلال فترة حكم أوباما 2009-2017 كان بايدن المسؤول الأول عن الملف العراقي، وزار بغداد 24 مرة خلال سنتين، ومهما قيل عن موقفه المتشدد من رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، إلا أنه هو من شجع على ولايته الثانية 2010 – 2014، وسانده في سياساته الطائفية ضد العرب السنة. عام 2021 سيكون مختلفا وسيعيد الرئيس الجديد وفريقه في مؤسسات البيت الأبيض والبنتاغون والمخابرات والخارجية جميع الحسابات الخاصة بالتعاطي مع الملف العراقي.
هناك انطباع غير دقيق يشير إلى أن فوز بايدن سيعيد الاستدارة نحو جارة العراق إيران التي راهنت كثيرا على هزيمة ترامب، وبالتالي ستتراجع آمال العراقيين في احتمال تقليص أو إنهاء الميليشيات الولائية داخل العراق. هذا التصور الخاطئ لا يضع أهمية للمستجدات السياسية في المنطقة والعالم خلال العقد الأخير، والتي كشفت للسياسيين الأميركيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي أن طهران تمادت كثيرا في السنوات القليلة الماضية في إضرارها بالمصالح الأميركية في المنطقة، وتغوّلت ميليشياتها داخل العراق، واستثمرت الأموال التي أطلقها الرئيس أوباما للمزيد من التخريب.
الملف الأكثر اهتماما وجدلا هو مشروع بايدن في تقسيم العراق فيدراليا إلى ثلاثة أقاليم شيعية وسنية وكردية، وهو المشروع الذي صوّت عليه الكونغرس الأميركي بالأغلبية في سبتمبر 2007.
المشروع لقي البعض من الاعتراضات في واشنطن، وواجه في حينه هجوما من قبل مجموعة دراسة العراق برئاسة وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر، الذي اعتبر تقسيم العراق خطا أحمر لا يمكن تجاوزه، خاصة أن ذلك من شأنه خلق ما أطلق عليه فوضى إقليمية جديدة، ستمنح طهران فرصة ذهبية للسيطرة على الإقليم الشيعي الجديد، كما ستثير حفيظة تركيا التي تخشى من قيام دولة كردية على حدودها الجنوبية. بايدن يحتفظ بعلاقات شخصية خاصة بالقائد الكردي مسعود البارزاني، ولم يتراجع عن مشروعه التقسيمي فقد كتب مقالا في الواشنطن بوست بتاريخ 24-8-2014 حين كان نائبا للرئيس أوباما، أكد دعم واشنطن لنظام فيدرالي في العراق. لكن أوباما ونائبه لم ينفذاه فعليا.
منذ صدور دستور العراق عام 2005، الذي أقرّ الأقاليم الفيدرالية بجهد من القيادة الكردية لحماية إقليم كردستان دستوريا، أصبح السياسيون الشيعة والسنة يتعاطون مع فكرة الأقاليم وفقا لضغوط اللعبة الطائفية وشراكة الحكم ببغداد. فقد سبق للراحل عبدالعزيز الحكيم، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، أن أعلن من النجف عام 2006 عن نيتهم العمل على قيام الإقليم الشيعي، لكنهم تراجعوا عن هذا المشروع بعد أن تأكدوا من حكمهم لكل العراق.
العرب السنة الحلقة الأضعف، فقد ظل سياسيوهم يتعاطون مع مشروع الأقاليم بغموض وتردد ممزوج بالخوف من ضياع المصالح، خاصة بعد أن وجدت غالبيتهم في النفاق للقتيل قاسم سليماني، ومن بعده لممثلي نظام خامنئي في العراق، طريقا أسهل للحصول على المكاسب.
هناك من يعتقد أن مشروع تقسيم العراق قد تراجع بسبب تراخي تل أبيب عن الحماسة لتنفيذه، بعد سقوط الدولة العراقية عام 2003 وانهيار قوتها العسكرية والاقتصادية وهيمنة أحزاب طائفية على الحكم، واحتمال التحاق العراق بركب التطبيع، وبالتالي فإن حاكم البيت الأبيض الجديد صاحب مشروع تقسيم العراق لن يضعه في برنامج إدارته. لكن دعمه لإسرائيل واعتزازه بالولاء للصهيونية سيكونان أكبر حسب خطبه وتصريحاته.
بالغ صحافيون أميركيون على صلة بجهات استخبارية، وكذلك عراقيون عملوا في دوائر استخبارية عراقية، في ترويج قصة الدعم الأميركي للعراق في حربه ضد إيران
شخصية جو بايدن السياسية كمتمرس مخضرم تفرض عليه أسلوبا مختلفا عما كان عليه الرئيس ترامب، الموصوف بالتهوّر والشعبوية، سينشغل بتأثيرات جائحة كورونا على الوضع الأميركي الداخلي. أما خارجيا سيتعاطى مع الملفات الساخنة كالعلاقة مع الصين وروسيا وعلاقة الولايات المتحدة مع أوروبا وحلف الناتو. ولا يتوقع سخونة التعاطي مع الملف العراقي قبل عام على حكمه في البيت الأبيض، إلا إذا حدثت مستجدات تتعلق بنفوذ إيران في العراق، التي ستذهب إلى هدنة مؤقتة لما بعد ترامب.
ماذا سيقدم بايدن للعراقيين؟ هل سيساندهم في إعادة بلدهم وتحريره من محنة اختطافه من نظام الولي الفقيه الإيراني، ويضغط على حكومة الكاظمي لتحجيم هيمنة الميليشيات الموالية لطهران على الحياة العراقية العامة؟ وهل سيساعد أبناء العراق عبر الآليات الأميركية المعروفة، كما فعل ترامب قبل أيام في لبنان، بكشف ملفات فساد زعاماته وارتباطاتهم الخارجية المشبوهة، واسترداد المليارات من الدولارات المنهوبة المسجلة داخل أروقة الخزانة الأميركية بأسماء قادة سياسيين عراقيين؟ أم أن تلك الميليشيات وأحزابها ستأخذ راحتها بعد إزاحة البعبع الترامبي الذي كان يلاحقها.
أسئلة تدور في أذهان العراقيين المنشغلين بسد رمق أطفالهم ودرء سلاح الميليشيات وهيمنتها على حياتهم.