مصطفى النعمان يكتب:

في وداع "عمي سنان"

رحم الله الوالد الشيخ سنان أبولحوم وتغمده بواسع رحمته.. واحد من قلة على قيد الحياة من آخر رجالات زمن العظماء الذين حافظوا ودافعوا عن الجمهورية وسيادة وكرامة البلاد.

أزعم أني أعرف الشيخ سنان عن قرب رغم اختلاف الاجيال فقد كان حاضرا في السياسة اليمنية وشارك في تقلباتها واسهم في صناعة كل الانقلابات الداخلية بعد ثورة سبتمبر 1962.

الشيخ سنان أو كما كان محبوه ومعارفه ينادونه "عمي سنان" عاصر حكام اليمن الراحلين، رحمهم الله جميعا، منذ عهد الامام يحيى ونجله ولي العهد الامام احمد ونجله ولي العهد الامام البدر ثم الراحلين المشير السلال فالقاضي الارياني فالمقدم الحمدي فالمقدم الغشمي فالرائد صالح..

ومع كل واحد من هؤلاء كان له تاريخ سيختلف كثيرون في توصيفه، ولكني أستطيع الجزم انه في كل "مخططاته" السياسية كان يعشق السلطة فصارت هاجسه وتشبث بها وجعلها دافعا لتحركاته وتحالفاته وخصوماته وصداقاته، وهذا لا يجرح في وطنيته وعشقه لليمن وتمسكه بسيادته وكرامته.

"عمي سنان" كان حاذقا في معرفة تفاصيل والوان المجتمع اليمني شمالا وجنوبا وكان ماهرا في نسج خيوط طموحاته السياسية تحت غطاء من الزهد في السلطة وتعففا منها، ولكن كما يقال (غلطة الشاطر بألف) فقد ظل يعترف بأن اكبرها كانت تخطيطه وتآمره على القاضي عبدالرحمن الارياني في حركة 13 يونيو 1974 وهو الخطأ الذي بسببه تم اقصاؤه واسرته (بيت ابو لحوم) سياسيا واخراجه من الملعب الذي كان يختار لاعبيه وحدود تحركاتهم فتحول الى مغترب في القاهرة مع كثيرين من الذين ساهموا في ايصال الحمدي إلى الحكم ومعه خرج الشيخ الأحمر إلى خمر ولم يرجع الشيخان إلى العاصمة إلا بعد اغتيال إبراهيم.

في استراحة القناطر نهاية 1974 سلم النعمان رسالة من الرئيس الحمدي إلى الرئيس السادات وعندما هم الأخير بتوديع ضيفه قال له (قول لابراهيم يأخد باله من سنان) ..

كان السادات بحكم تجربته اليمنية يعرف قدرات سنان في اعادة تركيب قطع المسرح وتحريك من يقف في واجهة الصورة ومن الذي يستطيع ان يزيحه.

13 يونيو كانت خاتمة "مخططات" "عمي سنان" السياسية ولكنه عاد ليعترف متأخرا أنه عمل انقلابا على نفسه وبأنه من دبر الانقلاب ضد القاضي عبدالرحمن الارياني وتلك قصة لها مقام اخر، وبعدها تحول عن صنع السياسات وتنفيذها الى متابع وقارئ ومؤرخ وتمكن من تصفية النفوس مع كل خصومه السياسيين ومع كل من اختلف او عادى خلال سنوات عمره... لكنه لم يتمكن من الاقتراب من الرئيس الراحل صالح الذي كان يعرف ذكاء وقدرات "عمي سنان" ويخشاه ولذلك لم يثق به مطلقا وان كان يبدي له احتراما لتاريخه ومقامه.

مثل تقارب "عمي سنان" مع قيادات الحزب الاشتراكي قلقا وانزعاجا لصالح وزاد الابتعاد بينهما حين اتخذ مع الشيخ الراحل مجاهد ابو شوارب موقفا معارضا للحرب في صيف 1994 ورفضا تأييدها رغم التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق في عمان شهر ابريل 1994..

كان (عمي سنان) فريدا بين أقرانه شيوخ القبائل الأثرياء اذ انفق من ماله في اعمال الخير ونشر التعليم، ولم تعد السلطة هما يشغل باله في سنوات عمره الاخيرة فقد انهكته صراعات الحياة وتقلباتها وصار هم اليمنيين ثقيلا على قلبه ومشاعره فأغلق الأبواب ليعيش مع نفسه وذكرياته وتجاربه.

رحم الله عمي سنان.