علي ثابت القضيبي يكتب:
مُضطرون للصراخ
حال الناس في جنوبنا بلغ حدّ الإنفجار الجنوني ، نعم ، فالوضع لم يعد يُحتمل مطلقاً ، والسلطة سادرة في غيّها ، بل وأدواتها ومفاعيلها هم السبب الرئيسي في كل مايلمٌ بالبلاد ، وهذا يبعث على الجنون ! فإلى ماذا ترمي السلطة من وراء كل هذا ؟ أو لماذا تصمت عليه ؟ أو من يوعزُ لها بذلك ؟ أو … أو … ، كلٌ هذا عندها ، لكن الأغرب في قيادتنا في الإنتقالي ، وهي التي فوّضناها أمرنا ، وأين هي من كل ذلك ؟ ولماذا لم تصرخ في وجه السلطة وتبدي موقفا حازماً ؟ أو تثير الزوابع العاصفة في أروقة التّحالف ( السعودية تحديداً ) ؟ أو على الأقل تعود أدراجها الى الداخل لتشاركنا مايطحننا ، أو لنواجهه ونتصدّى له معاً !
* ياقيادتنا في الإنتقالي ، نحن نحبكم حقاً ، ونؤطّر صورتكم في بروازٍ أنيقٍ مُذهّب ، وهو ينتصب أمام عيوننا دائماً ، فلاتشرخوا هذه الصورة بصمتكم هذا ، ولايبعدكم سبباً عن جغرافيتنا التي تتلظّى في أتون الجحيم ، وبقائكم في قصور الإمارات وفللها المرفهة ، وحيث المكيفات تصخبُ على مدار الساعة ، وصنابير المياه لاتعرف الإنقطاعات ، فهذا غير وجيه مطلقاً ، أو هل فرض عليكم أمراء الإمارات الإقامة الجبرية هناك ؟ أو هي بأوامر صاحب السمو إبن سلمان ؟ أو … أو … .
* تقولون لنا أصبروا وصابروا ، ونحن نكتوي بقيضِ الجنوب وجحيم حرارته ، والكهرباء تعمل لساعتين فقط وتنطفي عشراً ! وهذا حقيقي ، والمياه تصلنا نصف يومٍ ولانراها لثمانية أيام تباعاً ! وتخيّلوا عيشنا في وضعٍ كهذا ، أمّا الغلاء يطحننا بصورة لم نعهدها مطلقا طوال حياتنا ، ولأننا في رمضان ، تخيّلوا كيلو ( العتَر ) كان بثمانمائة ريال العام المنصرم ، واليوم هو بألفين ريال ! تصوّروا ، وقيسوا على ذلك بقية السلع ، ثم نحن بدون مرتّبات ، حتى هذه المرتبات إن جاءت فهي كعدمها أصلا بسبب الغلاء !
* سأقول لكم : أباؤنا وأخوتنا العسكريين الجنوبيين ، وايضا أسر الشهداء ، كل هؤلاء بلامرتبات لأشهر ، وتخيّلوا كيف يعيلوا أسرهم ! وأحد العسكريين الكبار أخبرني بوجه كسير محطم قائلاً : قيادتنا ، أو من فوّضناهم لقيادتنا في الإمارات وأسرهم مُرَفّهين أقصى حدود الرّفاه ، ونحن والموظفين بعد اليوم لن نتَحرّج أبداً ، فسوف نأخذ عمائمنا ونفرشها على أبواب المساجد نستجدي لنطعم أولادنا ، كانت دمعة كبيرة تتكوّرُ بين عينيه وهو يحدثني بهذا .
* في تسجيلٍ صوتي لرجل ، وبعثه لي صديق حميم ، وهو شخصية مجتمعية بارزة في البلاد ، وعنوان التسجيل وموضوعه ( با أبيع ) ، أي سيبيعُ الجنوب والقضية الجنوبية بعد أن وصل الحال الى هذا المٱل المأساوي الأسود ، وقيادتنا تعيش في فِلل الإمارات وقصورها المرفهة ، والتسجيل أسمعته وأرسلته لواحدٍ وثاني وٱخر ، وكلهم من شريحة المثقفين والوطنيين الجنوبيين ، واللافت أنهم أجمعوا على أن الرجل مصيبٌ فعلاً ، إذ ماجدوى أن يحدث كل هذا الطحن والعبث والإفقار في جنوبنا ، ولابارقة أمل في تعديله أو إجتثاثه ، وهي رؤىً جد خطيرة ولاشك على مسار جنوبنا وقضيته وتطلعاته .
* عندما يصل الحال الى هذا المستوى في جغرافيتنا الجنوبية ، فهو كارثي بالمعنى الحرفي للكلمة ، ولا أعتقد أنه لم يخطر على بالكم هذا ، والناس هنا مطحونة مفرومة في مفرمة جهنمية حقاً ، وفي كل المجالات والصعد ، وتحرككم بشكلٍ جدي وصارم يتجاوز رؤى وتطلعات التحالف ، أو المهيمنين على القرار هو أمر ضروري وحتمي ، وعداهُ لايشير إلا الى أنكم مجرد بيدقٍ من بيادق اللعبة ليس إلا ، لأن مايدور في الجنوب اليوم لايحتمله بشرا أصلاً ، أليس كذلك ؟!