فاروق يوسف يكتب:
الحرب في غزة وأهدافها في مكان آخر
سيستمر العدوان الآثم على غزة إلى أن تحقق إسرائيل أهدافها المبيتة. الولايات المتحدة تعرف ذلك ولهذا فإنها تعمل على تأجيل استصدار قرار من مجلس الأمن يلزم طرفي الصراع بوقف اطلاق النار.
الولايات المتحدة تتبع إسرائيل في حرصها على بقاء حكومتها اليمينية المتطرفة التي يقودها بنيامين نتنياهو وهي حكومة حرب واستيطان وتوسع وإذا ما انتهت هذه الجولة من الصراع إلى اي مستوى من الفشل في تحقيق الاهداف المرجوة منها فإن ذلك يعني أن على نتنياهو أن يغادر الحياة السياسية وعلى الولايات المتحدة من جانبها أن تعترف بأنها راهنت على الخيار الخطأ.
في المقابل فإن حركة حماس وهي كبرى الفصائل الفلسطينية التي تقاتل في غزة وهي المسؤولة عن اطلاق الصواريخ قد تكون أهدافها المعلنة أقل ضغطا وضرورة من أن تنشب من أجلها حرب مدمرة يدفع أهل غزة ثمنها قتلى ومعاقين وجرحى وخرابا لا يستثني جزءا من البنية التحتية المتهالكة في ذلك المكان، كثيف السكان بقطاعات تعليمية وصحية وخدمية منهارة أصلا.
وهي اي حركة حماس إذ لا تشترط التوقف عن اطلاق الصواريخ على إسرائيل بتحقيق تلك الأهداف فلأنها تدرك أن حقوق المقدسيين في حي الشيخ جراح قد تم تفهمها وتبنيها من قبل العالم، شعوبا ودولا. بل أن دولا كبرى تعهدت بمتابعة الموضوع عن قرب واسناد سكان الحي المغدور قضائيا من أجل الوصول إلى تسوية تضمن حقوقهم. هذا إذا افترضنا حسن النوايا وأن حماس لجأت إلى الحرب من أجل الضغط على إسرائيل ما يتعلق بملف الحي المقدسي.
المسافة بين الطرفين واضحة. طرف يسعى إلى الحاق أكبر ضرر ممكن بغزة وأهلها من غير أن يتمكن من الاضرار بعدوه المباشر من خلال اغتيال قياداته أو التدمير الكامل لمنصات اطلاق الصواريخ وانهاء مصادر التهديد وطرف يقابله يربط انتصاره بهدف، لم يعد الوصول إليه صعبا من غير اللجوء إلى الحرب، بحيث جاءت الحرب التي يعرف الجميع بأن حركة حماس قد بادرت إليها كما لو أنها جزء من تسوية حساب لا مصلحة للشعب الفلسطيني فيها وسط ظرف تاريخي التبست فيه الكثير من المفاهيم على عامة الناس.
وكما رأينا كان من اليسير على وسائل الدعاية الإيرانية والتابعة لها والمسايرة لها والمضللة بها أن تنشر على الحبل غسيل التطبيع. بحيث فقدت دول مهمة في المنطقة الرغبة في أن تمد يدها إلى مائدة، تعرف أن الإسرائيليين هم الطرف المهيمن على مزاجها بسبب اختلاط الرؤية لدى الفلسطينيين الذين حرمهم مشهد الضحايا الكارثي من رؤية حقيقة الأهداف الكامنة التي نشبت من أجلها حرب غزة.
فهل يمكن اعتبار ما يجري في غزة حربا بالوكالة؟
إيران لا تُخفي شيئا بسبب غرورها وتعاليها واستخفافها بأدواتها. لذلك فإن الاعتراف الإيراني المتكرر بأن كتائب القسام وهي الجناح العسكري لحركة حماس تابعة للحرس الثوري وترتهن بأوامره هو نوع من تأكيد حقيقة أن إيران صارت تجاور إسرائيل في ثلاث جبهات فيما يشكل البحر الجبهة الرابعة. وإذا ما عرفنا أن كتائب القسام هي الجهة التي تتولى اطلاق الصواريخ الإيرانية فإن ذلك يعني أن إيران هي التي تطلق تلك الصواريخ وهي إذ تفعل ذلك فإنها ترد على إسرائيل بسبب التفجيرات التي شهدتها منشآتها النووية بطريقة غامضة.
ومن المؤكد أن إيران في حاجة إلى مَن يقدمها إلى إسرائيل عن طريق قضية إنسانية تثير اهتمام المجتمع الدولي. ذلك هو ما حدث وإن كانت النتائج المأساوية لا تدخل في حساب حركة حماس التي شنت حربا صار على شعب غزة أن يدفع ثمنها.
الخلاصة إن إسرائيل تدرك جيدا أن إيران تقف في مواجهتها. اما العنف المبالغ فيه الذي تمارسه في حق أهل غزة فإنه درس تحتاجه لكي تحمي حكومتها اليمينية من السقوط أولا وثانيا لأنها لا تريد أن تهب إيران نصرا مجانيا.
وعلى الجانب الآخر فإن قادة حماس بعيدا عن الاطار الديني الذي يلازم تصريحاتهم لا يخفون أن إيران هي الطرف الوحيد المعني بهذه الحرب وفي هذا السياق جاءت رسالة اسماعيل هنية إلى الزعيم الإيراني علي خامنئي والتي يمكن اعتبارها ابلاغا بتنفيذ الأوامر.
وبذلك تكون حركة حماس قد قطعت شوطا مهما في انفصالها عن المسعى الوطني الذي يجمع عليه الفلسطينيون في نضالهم ضد الاحتلال الإسرائيلي. وهنا يكمن واحد من أهم أهداف هذه الحرب.