فيصل الصوفي يكتب:

هل تغيرت حركة طالبان؟ لننظر

قد تغيرنا.. سوف نحاور المخالفين لنا.. سوف يرى العالم وجوه كل قادة الحركة بالتدريج ولن يكون هناك تخف أو سرية.. لم يعد الأمر كما كان عليه قبل 20 سنة... صرنا في خصومة مع تنظيم القاعدة.. حقوق الإنسان ستكون مصونة.. سنسمح بحرية وسائل الإعلام.. لن نسائل حتى الذين ينتقدون الحركة.. سنسمح للنساء بالتعليم والعمل.. لا انتقام.. منعنا رجالنا من دخول المنازل.. هكذا كان قادة حركة طالبان  يتحدثون وهم في الدوحة، أو عندما يجدون أنفسهم أمام وسائل إعلام غربية.
 
في حقيقة الأمر لم يتغيروا بالمعنى الدقيق لكلمة تغيير.. ربما كانت السنوات العشرون الماضية قد أنتجت جزءاً من العلاج.. لكن يجب الأخذ في الاعتبار أن حركة طالبان لديها نحو سبعين ألف مقاتل، حسب أكثر التقديرات تواضعا، هؤلاء ليسوا ذبيح الله مجاهد، أو هيبة الله أخوند زادة، أو عبد الغني برادير الذي قال الرئيس ترمب إنه كان صديقا جيدا!
 
هؤلاء وأمثالهم ممن تفاوضوا مع الأميركيين، وحاوروا كثيرا من الشخصيات السياسية والفكرية، أثناء تنقلهم في الخارج، قد يكونون اكتسبوا بعض الخبرات والأفكار الجديدة، وأفادوا من عبر الماضي، لكن هل لهم قدرة السيطرة على سبعين ألف مقاتل، أكثرهم شباب تربوا في الداخل على أيدي رجال الحركة المتصلبين المعزولين عن الدنيا؟
 
زعيم الحركة هيبة الله أخوند، هو تلميذ لمؤسسها الأول الملا محمد عمر.. الملا عبدالغني برادر، نائب هيبة الله ورئيس المكتب السياسي للحركة، هو الآخر تلميذ الملا محمد عمر.. ومثلهما بقية كبار القادة.. وفي داخل الحركة هناك جناح حقاني.. وأنس حقاني، هو أحد زعماء جماعة حقاني التي تخرج الإرهابيون من مدارسها التي كانت تمولها جمعيات وأحزاب دينية عربية- إسلامية وحكومة باكستان.
 
إن ألوف الأفغان الذكور والإناث الذين خرجوا من كابل، وتدافعوا في المطار، وخاطروا بأنفسهم من أجل الحصول على ملجأ خارج البلاد، ليسوا حمقى وربما لم يقصدوا الهرب من الإسلام.. لقد كانوا يتابعون تقدم حركة طالبان، ويسمعون أخبار الفظائع التي ارتكبها مسلحو الحركة في المناطق التي استحوذوا عليها، حيث كانوا يقومون بنفس الأفعال الإجرامية التي عرفها الأفغان قبل عشرين عاما.. لقد شعر سكان كابول أنهم سيكونون الضحايا القادمين، فضلا عن أن المكاسب التي تحققت لهم خلال الفترة 2002- مايو 2021، سوف يتم التطويح بها، وبالتالي لن تكون أفغانستان مكانا لائقا للحياة الآدمية.
 
قبل وصول مقاتلي طالبان إلى كابول، كتب القائم بالأعمال في السفارة الأميركية: لا تشبه تصريحات طالبان في الدوحة أفعالهم في بدخشان وغزنة وهلمند وقندهار.. وبالفعل فإن أقوال ووعود قيادات الحركة، ناقضتها الأفعال، ففي المناطق التي كانوا يسيطرون عليها تباعا وبسرعة، قاموا بعمليات انتقامية، ذبحوا جنودا بعد استسلامهم، منعوا البنات البالغات سن 12 سنة الذهاب لمدارسهن، منعوا الموظفات من الاستمرار في أعمالهن، فرضوا على كل النساء عدم الخروج من منازلهن إلا مبرقعات وبصحبة محرم.. وتحدث أفغانيون عن قيام بعض مقاتلي الحركة بإكراه آباء على تزويجهم ببناتهم غير البالغات.. لقد أعاد رجال طالبان تطبيق نفس قوانينهم الخاصة التي كانوا يفرضونها على الشعب الأفغاني خلال فترة حكمهم (1996- 2001).. إنهم يفعلون ذلك الآن بعد أن صاروا الحكام الفعليين لدرجة أن الحركة قتلت شبابا نظموا مسيرة شعبية في مدينة جلال أباد، وأخرى في أسد أباد، بجريرة أنهم يرفعون علم الدولة ويحتفلون بذكرى اليوم الوطني لجمهورية أفغانستان.
 
حتى على مستوى الاسم الرسمي للبلاد، حركة طالبان تتمسك الآن بالاسم الذي يخصها: إمارة أفغانستان الإسلامية.. يؤكد قادتها أن لا مكان للديمقراطية في هذه الإمارة، وأنه بالنسبة لعمل النساء في وسائل الإعلام وفي غيرها مسألة سيقررها مجلس إسلامي ستقوم الحركة بتشكيله لاحقا.. وهي بذلك تكون قد خالفت اتفاق فبراير 2020 الذي تم بين ممثليها، وممثلي الإدارة الأميركية، حيث ينص أحد بنوده بأن طرفي الاتفاق هما الولايات المتحدة وحركة طالبان، وتتفق طالبان والحكومة الأفغانية لاحقا بشأن كيف ومن سيحكم البلاد.
 
على أن ذلك الاتفاق يلزم الحركة بعدم السماح لتنظيم القاعدة وأي تنظيمات إرهابية أخرى ممارسة نشاطها في المناطق التي تسيطر عليها الحركة، بينما أكد أفغان لوسائل إعلام غربية أن مقاتلين أجانب كانوا يقاتلون إلى جانب مسلحي طالبان منذ بدأت الحركة تسيطر على المناطق التي كانت ما تزال تابعة للحكومة في كابول.. وعشية دخول رجال الحركة قصر الرئيس الهارب مغني، أظهر تنظيم القاعدة وتنظيم دولة الخلافة الإسلامية سرورهما بالفتح العظيم، فهما موجودان هناك في أفغانستان، وقد يلتحق بها الإخوان المسلمون الذين يحتفلون هذه الأيام بانتصار طالبان، ويتبرعون لها بمشورات، وبنصائح حول من تحارب، ومن تسالم؟!