ماجد السامرائي يكتب:

الانتخابات العراقية.. عربة تحمل المافيات إلى مصيرها المُخزي

الانتخابات في العراق مسرحية هزيلة غير مُتقنة الأدوار تُعرض كل أربع سنوات على شعب العراق الجائع المظلوم، جُزئت وتفككت دورتها الأخيرة عام 2018 بعد عام على تولي أحد طواقم الكومبارس الهزيل المتورط بالتغطية على دماء ثوار تشرين عادل عبدالمهدي، ثم أطلّ على المسرح الأكثر قساوة على الجمهور مصطفى الكاظمي لأنه التقط من خلال مخزونه الصحافي المتواضع أكثر جزئيات الألم الجماعي دماء الشباب ووظفها بمقاطع إنشائية لصالح مجيئه واستمراره برئاسة الوزارة وطموحه في تجديد دوره بفعاليات يعتقد أنها ذات جاذبية لكنها مؤلمة.

سبب فجاجة هذه المسرحية وتفاهتها ليس أبطالها ومئات الممثلين الثانويين الأجراء من الكومبارس بل كذب صنًاعها ومنتجيها، المُخرج الأول الأميركي ومخرجها الثاني ومُنتجها الإيراني خامنئي. لا تنفع تبريرات المخرج الأول ولا تُقنع الجمهور العراقي، كان بيده أن يتفرد وألا يُشرِك المراقب المتربّص الإيراني، تلك علامة فشل سُجّلت تاريخياً دحرجت الأميركي إلى وادي المبتدئين في السياسة الدولية.

الاحتلال الإيراني للعراق ببساطة مشروع حديث مُركّب بين الأيديولوجيا الدينية والأدوات الميليشياوية المسلحة

يعتقد البعض خطأ أن تراكم الألم الجماعي العراقي الذي تعاظم خلال قرابة العشرين عاماً وأدى إلى موجات متلاحقة من الإحباط قد أبعد أيّ أمل بإزاحة الطبقة السياسية عن السلطة بعد تحصنها بالميليشيات المسلحة وبوجود ظهير جار موصوف بالاقتدار على صناعة مؤامرات الدم لدرجة أن كثر ممن يشاهدون خارطة التفكك والألم العراقي يصلون إلى نتيجة التسليم بمقدّرات من يدير اللعبة في العراق.

هناك مفردات يومية كثيرة صادمة تُعزّز حالة الإحباط وترى بضرورة التسليم للواقع الحالي لكي لا تضاف مآس جديدة، أهم المفردات هي أن المُدبِّر السياسي الإيراني، رغم تراجع كذبة الغطاء المذهبي الشيعي ومفردات طقوسه التي وصلت حدّ الثمالة وفشلها، يجدها ما زالت شغّالة في اليوميات، مثلاً كأن تُرفع قبل أيام راية حجمها عشرات الأمتار في سماء مدينة تكريت كتب عليها “يا حسين” خلال أيام عاشوراء وسط التكبيرات المعروفة لإيصال إيقاعها إلى أسماع المواطنين التكارتة مع أن حقيقة أصولهم في النسب يعود أغلبها إلى أهل البيت وليس هؤلاء الغرباء.

مثال آخر يضيف فقرة أخرى للإحباط الشعبي من خلال تكثيف فعاليات الفصائل المسلحة في الفعالية الانتخابية في العاشر من أكتوبر المقبل، بارتداء بعض وجوه تلك الفصائل اللباس المدني وعرض أسمائهم في قوائم انتخابية بعناوين يعتقدون أنها جذّابة للإيحاء بأنهم دخلوا ساحة المنافسة تحت شعارات ذات الحركات الولائية لإيران. برسالة مفادها “إننا قادمون بالثوب السياسي والعسكري المزدوج” في تحدّ صارخ للدستور المانع للفصائل المسلحة من دخول المنافسة الانتخابية.

مثال عام آخر تعيشه الأسر العراقية هذه الأيام وكذلك أبناؤها الشباب بعد انسداد آفاق الرحيل عبر قوارب الموت، في انخراطهم الإجباري داخل الحشد أو خارجه، تحت ما تسمى فصائل المقاومة، ليس إيماناً بل من أجل الراتب المتواضع لسد رمق أطفالهم وأهلهم، وهو تبرير إنساني مشروع بسبب مخطط إغلاق الأبواب وحصر العراق تحت حالة الانهيار الاقتصادي رغم موارده الضخمة من النفط. هذه الصورة الوهمية من عشرات الألوف من منتسبي تلك الفصائل ستتبخّر ساعة الصفر، عند رحيل طبقة الفساد والفشل.

أمثلة قاتمة أخرى قد تدفع المتلقي العراقي البسيط إلى التسليم بقبول الحالة المأساوية التي يديرها نظام طهران من خلال النظام السياسي القائم وتضييق حالة الأمل بل استبعادها وهذا هو الهدف السيكولوجي الجماعي الذي اشتغلت عليه إيران خلال السنوات التسع عشرة الماضية، رغم ذلك لم تنجح، ثورة الشباب وسط العراق وجنوبه الرافضة لاحتلال نظام خامنئي للعراق.

أكدت ذلك المظاهر المُحبطة بالمعنى السياسي البسيط ليست غريبة الحصول، بل إنها في أدنى درجات النجاح في التطبيق، ذلك أن الاحتلال الإيراني للعراق ببساطة مشروع حديث مُركّب بين الأيديولوجيا الدينية والأدوات الميليشياوية المسلحة. كان على النظام الإيراني إحداث الكثير من التفكيك الاجتماعي، الذي لم يكن له وجود في العراق قبل عام 2003، لتسهيل المرحلة الثانية لأول تجربة طبّقتها طهران في العالم العربي ونجحت فيها بعد عام 1979، هي تجربة حزب الله في لبنان، بسبب أن ظروف الحرب الأهلية 1975 – 1990 قد أنتجت ما سمّي بالبندقية المأجورة للميليشيات المسلحة وكان صراع الفصائل الفلسطينية أحد مظاهرها.

لكن وضع العراق وفق العلم الأنثروبولوجي لم يؤشر إلى صراعات إثنية وعرقية رغم التنوع الطائفي والعرقي فيه. المشكلات سياسية تتعلق بإدارة السلطة السياسية، مشكلة الأكراد تتعلق بحقوقهم القومية الأساسية تحت عنوان “حق تقرير المصير”. لكن عام 1970 شهد قيام بيان مارس الذي اعترفت بموجبه حكومة بغداد بحق الأكراد في قيام الحكم الذاتي، حصلت خطوات مهمة في الاعتراف بالقومية الكردية والتمثيل السياسي، لكن الخلافات اللاحقة تعلقت بقصة عائدية مدينة كركوك الغنية بالنفط وكذلك مناطق سنجار وهي مازالت قائمة رغم الاتفاق الكردي – الشيعي الاستراتيجي المدوّن بالدستور على تقاسم السلطة في العراق.

النظام السياسي القائم في العراق هو أداة ذات طبيعة أيديولوجية تابعة لنظام طهران، رغم وجود عبارات فضفاضة بالدستور، تفننت سياسات حكوماته الحزبية الطائفية وتطبيقاتها منذ عام 2005 في أساليب نهب ثروات البلد وأمواله التي قاربت 900 مليار دولار، وتحويلها إلى جيوب المافيات الحزبية مع احتفاظ طهران بالسيطرة على موارده وتعطيل شامل لحركة التنمية فيه، ومنع الحياة عن القطاع الخاص بعد غلق معامله وسرقتها وبذلك غلق الأبواب أمام الشباب للعمل إلاّ بوابة رواتب الحكومة المنهكة.

المؤشر الواقعي وليس النظري هو فقدان هذا النظام للقاعدة الشعبية، كان مؤشر انتخابات 2018 ذهاب أقل من 18 في المئة من الناخبين إلى صناديق الاقتراع التي أصبحت ما بين محروقة أو مزوّرة، لكن هناك من يقول حتى لو تدنت النسبة إلى أقل من ذلك بكثير سيتم تمرير الانتخابات لوجود رغبة دولية أوروبية وأميركية على ذلك.

هناك مفردات يومية كثيرة صادمة تُعزّز حالة الإحباط وترى بضرورة التسليم للواقع الحالي لكي لا تضاف مآس جديدة

هناك اعتقاد اشتغلت عليه قيادات الأحزاب وبوحي من المشرفين الإيرانيين يعمل على استثمار الحالة النفسية للجمهور العراقي المنتفض عن طريق استقدام بعض أسماء الناشطين في قوائم التنافس الانتخابي بعد تخليهم عن رفاقهم من جهة، وقيام ما سمّي بمعارضة سياسية داخلية تطالب بمقاطعة الانتخابات من جهة أخرى، رغم عدم شكوكنا بنيات أصحابها، لخلق لعبة التوازن، لكنها لعبة فاشلة.

تكتيكياً وتعبوياً هل يمكن وقف عجلات مرور انتخابات أكتوبر المقبلة بعد ضبط عرباتها المتهالكة برعاية دولية وإقليمية، ينفّذ واحدة من صفحاتها الكاظمي على أمل التجديد له بعد الانتخابات؟ الجواب: الشعارات الشعبية الوطنية لن توقف دوران عجلة ناقلة الموتى والهرمين والفاسدين والقتلة، لكن في السياسة لا توجد مطلقات، قد تحصل مفاجآت لوجستية أمنية وحتى تنظيمية في ظل عدم نزاهة الانتخابات.

وفق قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2576 للإشراف على نزاهة الانتخابات سيتم توزيع 80 مراقباً دولياً في أنحاء مختلفة من العراق بصلاحيات كبيرة ينتهي إليهم الحكم على سير العملية الانتخابية فيما لو كانت مطابقة للمعايير الدولية أم لا، وتقارير هذه البعثة سترفع مباشرة إلى مجلس الأمن وليس إلى بعثة الأمم (يونامي) قد يقود إذا ما أرادت قوى النفوذ الكبرى إلى عدم الاعتراف بهذه الانتخابات وإعادة العراق إلى طائلة البند السابع أو صدور قرار من مجلس الأمن بتشكيل حكومة طوارئ وإلغاء العملية السياسية الحالية.

سمعت أخيراً عبر اليوتيوب نشيداً عراقياً مؤثراً أطلقه شاب من شباب ثورة أكتوبر اسمه تقي الحسناوي في تجمع شباب جامعة النجف العراقية تحت عنوان “العاشق المتمرد” يلخص حتمية نجاح ثورة العراق الجديدة:

أتظن أنك بعدما أحرقتني

ورقصت كالشيطان فوق رفاتي..

وتركتني للذاريات تذّرني

كُحلاً لعين الشمس في الفلوات

أتظن أنك قد طمست هويتي

ومحوت تاريخي ومعتقداتي

عبثاً تحاول، لا فناء لثائرٍ

أنا كالقيامة ذات يومٍ آت..

هذا النشيد الذي أعادنا إلى ذكريات نشيد “الله أكبر” المصري حين قاوم الشعب المصري الاحتلال الثلاثي عام 1956.

ثقتنا أن شباب جيل الثورة العراقية الجديدة سينتصر حتماً.