ماريا معلوف تكتب:

ديمقراطية بايدن الوهمية.. أين هو التسييس؟

قبل أسبوعين شارك قادة أكثر من 100 دولة في قمة الديمقراطية التي استضافتها الولايات المتحدة سعيا لتسليط الضوء على الجهود المبذولة لمواجهة الاستبداد ومحاربة الفساد وتعزيز حقوق الإنسان.

وكانت نتيجة تلك القمة أقرب إلى التلاشي المبني على أسس كثيرة من الفشل بداية، وبالعودة إلى الحملة الرئاسية للعام 2020، حيث قال وقتها المرشح الديمقراطي جو بايدن إنه في حالة انتخابه، سيعمل على إعادة هيبة واحترام السياسة الأميركية، سواء في الداخل أو بالخارج.

واليوم يجسد اقتراحه عقد هذه القمة نيته لإعادة بناء صورة الولايات المتحدة في العالم، لكن غاب عن بال الرئيس بايدن أن القمة كتب لها الفشل قبل انطلاقها نظرا لتدهور الديمقراطية الأميركية بعد أحداث 6 يناير 2021 إلى جانب أن معدلات تأييد بايدن انخفضت إلى نسبة 40 في المائة.

وأيضا كان اختيار البلدان المدعوة، والذي كان من المفترض أن يتم بناء على التزامها الأخلاقي وعلى المصالح الإقليمية للولايات المتحدة إشكاليا، فقد ظهر أن العديد من الحلفاء كانوا مترددين في الانجرار إلى ما يمكن وصفه على أنه (تحالف مناهض للصين).

نعم فإن قمة الديمقراطية هذه أزعجت الصين، وهذا هو الشيء الإيجابي الوحيد الذي يمكن قوله عن هذه القمة الافتراضية وهذا يفسر افتتاحية صحيفة (ذا غلوبال تايمز الصينية) والتي كانت افتتاحية غاضبة بدعوى أن الهدف من القمة كان التأكيد على أن "الولايات المتحدة لازالت الزعيم".

ومهما يكن من صحة هذا الرأي فلا شك أن خطة بايدن لـ"إعادة البناء"، لمنافسة مشروع الصين "طريق الحرير" ــ ستبقى هدفا أساسيا عقدت من أجله هذه القمة مما يؤكد على تسييس الولايات المتحدة في عهد بايدن لقضية الديمقراطية في العالم من أجل مصالح معينة.

وليس الحاضرون بتلك السذاجة لأجل أن يتوقعوا انتشار الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، أو حتى الارتقاء إلى مستوى الديمقراطية، عن طريق وقف التراجع داخل صفوف تلك الدول من ناحية والحفاظ على جبهة موحدة ضد الأنظمة الاستبدادية مثل الصين وروسيا، من ناحية أخرى.

وبمعنى أوضح فإنه بالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة والديمقراطيات بآسيا، فإن الجهود الأميركية المتجددة لتعزيز الديمقراطية توفر فرصا لتحقيق توازن جماعي فى مواجهة النفوذ الصيني.

على الجانب الصيني لم يكن من الممكن فهم هذه القمة إلا أن هدفها هو إقصاء قطبي (النظام الشمولي) حسب النظرة الأميركية وهما الصين وروسيا فهم الرايات الفاقعة والأصوات الزاعقة في مقابل الشمولية الديمقراطية الأميركية بحسب وجهة نظر أساطين الفكر الشيوعي الصيني ولا ننسى هنا أنه وفي اليوم الأول للقمة، أي التاسع من ديسمبر، انتقد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، القمة الأميركية من أجل الديمقراطية، قائلا إنها لا علاقة لها بالعدالة أو الديمقراطية الدوليتين، بل تتعلق بخدمة مكاسب الولايات المتحدة الأنانية والحفاظ على هيمنتها وأن هذا المؤتمر مثال آخر على كيفية قيام الولايات المتحدة بتسييس وتوظيف وتسليح الديمقراطية وأنها تقسم الإنترنت، وتسعى إلى الاحتكار التكنولوجي والهيمنة السيبرانية، وتقمع التطور العلمي والتكنولوجي للدول الأخرى وأن الولايات المتحدة تحاول فرض معاييرها على الآخرين، وتقف أمام تطوير الإنترنت من قبل الدول، بخاصة النامية، بالتالي منعها من التمتع بعوائد الاقتصاد الرقمي والتقدم التكنولوجي وغير ذلك.

في رأيي فان العديد من الدول التي شاركت في القمة تقف -ولو من غير أن تصرح- إلى جانب الصين في وجه الولايات المتحدة فيما خص معارضة تسييس التعاون العلمي والتكنولوجي على أساس الأيديولوجيا ومن خلال ما أطلقت عليه الترتيبات الحصرية لأن ذلك يعيق الجهود المبذولة لمواجهة التحدي المشترك والسعي نحو تنمية مشتركة وهو ما يؤدي إلى تقويض الابتكار العلمي والتكنولوجي حتى وإن لم يتفقوا على الرأي القائل بان ما تقوم به الولايات المتحدة هو تدمير نظام العلاقات الدولية المؤسسة على القانون الدولي والدور المركزي للأمم المتحدة من أجل إنشاء منطقة خاصة بها تنوي واشنطن أن تهيمن فيها بانفراد وبالتالي فهي تنظّم هذه الفعالية الجماعية في شكل "قمة الديمقراطية"، التي ستمنح المشاركين فيها شرف حق خدمة المصالح الأميركية.

اليوم يمكن القول إن تسييس القمة أتى بنتائج عكسية وأن الديمقراطية أصبحت في عهد بايدن سلاحا تستخدمه الولايات المتحدة للتدخل في الدول الأخرى والهدف الحقيقي من قمة بايدن - كما بات واضحا للقاصي والداني في دول العالم - ما هو إلا مواجهة صعود الصين في الدرجة الأولى، والتصدي لعودة روسيا إلى الساحة الدولية في الدرجة الثانية.

في الخلاصة فإن هذا التسييس جعل من معظم دول العالم تعلن صراحة أن تقسيم بايدن لدول العالم بين دول "ديمقراطية" يمكن التعامل معها، وأخرى "غير ديمقراطية" لا تصلح للتعامل معها، لا يأخذ بالحسبان تعقيدات العالم في هذه الحقبة في ظل انشغال معظم الدول بقضاياها الداخلية الضاغطة وبالتالي فإن القمة لم تحقق الكثير، إنها خطوة أميركية في الاتجاه غير الصحيح.