علي ثابت القضيبي يكتب:
كشف الحساب المهين
بعد 7 يوليو 1994م ، تعاطى الشمال بعنجهية خسيسة مع جنوبنا ، وهو مسلك يجسد منطق دولة القبيلة الهمجية الباغية ، إذ لم يختلف مسلكهم يومذاك عند إستباحة جنوبنا ونهبه ، لم يختلف عن قبائل البربر الضارية وهي تفتك بأقرانهم المهزومين في سفوح أوربا كما صورته لنا الميديا ، وبنفس العيون الجاحظة والشعور المنكوشة مع همهمات كواسر الحيوانات طفقوا ينهبوا كل مرافقنا بوحشية ، حتى وكلاء الوزارات الذين ظلوا وديعين كالحملان في عدن ، بدأوا مذّاك منهاج التدمير الممنهج لكل ماتحت أيديهم في جنوبنا بكل صلف وغطرسة .
يطفح الفم بالمرارة كلما تستعيد الذاكرة تلك الأيام ووحشيتها ، بل يفترش مساحات الأفق سؤالا يصرخ بالألم مفاده : مادهاكم حتى تورطتم بالإرتباط مع مثل هؤلاء الوحوش ؟ وبالفعل كم كان يذبح في النفس منظر ضباطنا وجنودنا وهم يصطفون طوابيرا في صنعاء لتسول رواتبهم الموقوفة ، أو منظر جحافل موظفينا عند إحالتهم للتقاعد القسري بمبلغ زهيد بعد بيع مرافقهم ، أو منظرهم وهم كالمتسولين يتابعون إجراءات التقاعد المجحفة والمهينة !
لا أعتقد أن ذاكرتنا الجنوبية يمكن أن تسقط كل ذلك ، وبالقطع يلقّنها جيلنا لأولاده ، ولهذا نجد كم المقت لهذه الوحدة يتفاقم بتقادم السنين والأجيال ، حتى وإن كانت الأهوال والفضائع قد تفاقمت اليوم ، ويمكن أن التفكيك والعبث بجيلنا الجديد قد أخذ مدٱهُ وحجمه المؤثر بفعل إستهدافهم الممنهج لهذا الجيل وكل الجنوب .
لا أروم من وراء ذلك الى نبش الجراح ونكئ المواجع ، فهي بالبداهة مغروسة في الأذهان لفضاعتها وبشاعتها ، ونحن من تجرع هذه الٱلام والخُبث ممن إفترضناهم أخوة ، بل كبارهم ماانفكوا يمارسوا لصوصيتهم الوقحة لثرواتنا السيادية ، كما يصرون على إبقائنا تحت أقدامهم !
الله سبحانه وتعالى ليس بغافل عن الظلم والظالمين ، وهو الذي قال : ( سأنصرك ولو بعد حين ) ، كما بقدرته قيّض للظالمين من يسحقهم وينكّل بهم ، وهاهم أهل السطوة في سلطة الظلم قد نالوا من التّنكيل مايشفي الغليل ولو قليلاً ، فمنهم من قُتل في أبشع صورة ، ومن دُمّرت قصوره وشُرّد في الأصقاع ، ومن بقي تحت الأقدام ذليلاً مُهاناً كالإمعة ، ومن هرب فاراً من القتال بدثار إمرأة وفي صورة كاريكاتورية مخزية للهروب .. إلخ .
مع كل ذلك لازال من هؤلاء الطغاة ورغم كسرهم وإهانتهم يستقوون بفعل إرتباطاتهم الحقيرة بخدمة أجندات الخارج هنا ، ولذلك ماانفكوا يمارسوا النهب بحقنا ، ولم يتّعظوا من كل ماأصابهم من ذلّ وهوان ، ولكن جنوبنا اليوم غير الجنوب الذي أمتهنوه صيف 94م ومابعده ، فللجنوب أظافره وأنيابه ورجاله الكواسر ، كما قد دارت الدّائرة ايضاً ، أليس كذلك ؟!