خالد سلمان يكتب:
بين حليف وحليف
تم ضرب صنعاء إلى الحد الذي لم يبق فيها هناك من هدف كي يُضرب، وتم تقديم التنازلات للحوثي في مضمار السباق في خطب وده، إلى درجة لم يبق هناك ما يمكن أن يُقدم له من تنازل.
سفن نفط وموائئ ومطار وإصدار جوازات سيادية، ومنحه اليد الطولى والكلمة العليا في موضوع طرق تعز، جميعها مكاسب حوثية تم حلبها من أضرع المجتمع الدولي والإقليمي، وعلى حساب هزال جسم الشرعية، وفكرة الحل المتوازن ولكل فرد صوت واحد على طاولة التفاوض وحوارات التسوية.
الحوثي القادم من أعالي جبال مران، استفاد من مكونات الدولة السابقة وإرثها العميق، في إدارة الأزمات بكفاءة ولؤم واقتدار، وتحديداً حروب الشطرين وأزمة 93 التي أعقبها حرب غزو الجنوب، وكذا تدجين مراكز القوى القبلية المحافظة.
صنعاء بسلطتها الآن تتماهى مع هذا الإرث، وتحصد الانتصارات المتتالية، تحارب وتفاوض، تدعي المرونة وتخفي قدراً مروعاً من التصلب، تجاه مطالبها التي ترى فيها حزمة خطوط حمراء ممنوع التنازل عنها، أو التفاوض حولها أو اقتطاع جزء منها، في سبيل تمرير صفقة الحل الشامل القابل للحياة.
لا بأس في ذلك النهم، لا أحد يطلب من خصمه في السياسة والميدان أن يكون أبلهاً، يرفض التنازلات ويجعل من نفسه دكاناً وجمعية خيرية، يوزع المنافع نحو الشرعية والجوار، خارج أبجدية التفاوض:
لا تمنح ورقة لطرف لا يملك تقديم ورقة مماثلة.
الواقع أن كل الأوراق بين يدي الحوثي، من ترسانته الصاروخية وأسراب طائراته المسيرة على بدائيتهما تقنياً، إلى هيمنته العسكرية على كل الشمال وجنوب المملكة، إلى اختراقاته لبنى المؤسسة العسكرية للشرعية، التي تسلم ولا تقاتل وستفعل ذات الشيء في المنطقة العسكرية الأولى، حين تلوح فرصة الزحف على جنوب الثروات، مروراً باستثمار ملفات الصراع الدولي من حروب القمح إلى حروب الطاقة، واللعب بورقة القوة الأمنية لوقف تهديدات الإرهاب للمصالح الدولية، وليس انتهاء بوجود حليف إيراني عقائدي متماسك المواقف، غزير الدعم السياسي العسكري، حذق في ربط جميع الملفات ببعضها في منطقة قوس الأزمات، لبنان، سوريا، آسيا الوسطى، العراق، أفغانستان وحتى اليمن.
أمام كل ورقة قوة للحوثي هناك ورقة ضعف للطرف الآخر، الجوار أمنهم الداخلي أولاً، والشرعية مشلولة الإرادة فاقدة استقلالية القرار.
الآن الحوثي لم يبق معه لإكمال استعادة أركان دولته، سوى البنك المركزي وتوحيد العملة، وهما محط مباحثات مسقط مع المتداخلين الدوليين في ملف اليمن.
وبهذا يتم ترسيم خارطة الضعف والقوة بين الطرفين المحليين والراعيين الإقليميين وإلى الأبد.
السعودية ليست حريصة بالقدر ذاته التي تحرص فيه إيران على حلفائها، ففيما الثانية ترى في الحوثي جزءاً من استراتيجيتها في المنطقة، تتعاطى الأولى الرياض مع حلفائها كأوراق لتحسين شروط التسوية، مجرد أدوات يمكن التضحية بهم كقرابين على مذبح مصالحها، والخروج من ورطة حرب اليمن بأقل الخسائر الممكنة.