مصطفى منيغ يكتب لـ(اليوم الثامن):
مغرب أكل الدَّهر عليه و شَرِب
تطوَّرَ مفهوم التَّعبير من سطحِ المقصودِ إلى العُمق ، بعدما وصلَ الضَّيق بجُلِّ الشعب المغربي إلى العُنق ، فلم يعُد هناك حدّ أي كان على صراحةِ النُّطق ، ولا مُستَعمِل أدوات الخوف لإيقاف ما سيقع داخل كلّ سوق ، إذ الزّمَام افتُضِحَ ماسكه فأُعِدّ له ما يٌبعِد عنه أي طُوق ، بذكاء الصابرين على المحن لغاية استكشاف جميع حلفاء مَن ليس له فَوْق ، تخَصَّصَ ومَن معه في تغليط أغلبية الشعب للحصول على ما لمصالحه الذاتية يَفُوق ، و هذه المرَّة كل المراوغات السياسية التقليدية مضمونها بالتَّتابُعِ مَحرُوق ، فكما يحفر النَّهر سبيله ليجري صوب نهايته الطبيعية حفر أحرار الشعب بأظافر نضالهم المشروع طريق الوصول للتمتّع بما ضاعت (لعقودٍ) ما لهم من حقوق . القضية أكبر مِن دَفْعِ الاحتجاج للإطاحة برئيس الحكومة فيُعلَن عنها جهرا في مدينة المحمَّدية بأكثر من بوق ، وهو المنفِّذ لتعليمات مَن رَسَّخه في ميدان المُؤسَّسة التنفيذية من سنين طويلة لتتجمع فيه خاصيات الزاؤوق ، المتحوِّل للخَدِيم الطائع لأعْتابِ باقي أسياده وهو يعلَم يقيناً أنهم يسايرون به هذه المرحلة المُنتهية أصلاً بتقديمه كبش فداء وتعيين آخر يقوم مقامه على هواهم مَطْلُوق ، وهكذا الدائرة تزاول تدحرجها وفق تخطيط له من الفنيين والمستشارين ما ينعمون به من مستوى للحياة وردي برواتب لكل غاية مطلوبة تؤدي يكوِّنون فيما بينهم أغرب جوق . يعزف سياسات تنقل عدوى صداع التدخل في أي شيء لرؤوس غالبية سكان هذا البلد ومَن يريد التخلُّص من سماع ذات الأسطوانة المشروخة يجد نفسه مسحوق .
... ما في فرنسا راضي عمَّا حصل ، وما في أمريكا قابل أن يشرعَ في الزَّرع بكيفية مبتكرة جديدة ، وما في إسرائيل مُكتفي بالبيع غير المتكافئ وشراء الذِّمَم على حساب الشعب الفلسطيني العظيم المغلوب إلى حين على أمره وبما يُرتَكَب ضدَّه من بعض الأشقاء للأسف جد مخنوق ، الجل متَّفق أن أغلبية الشعب المغربي سيظل غارقا في سباته العميق مدفوعا في جزء بسيط منه لتنظيم احتجاج مرخّصٍ مُسبقاً لإزاحة القشور وينتهي الأمر كما انتهت أمور بشتى الطُّرُق ، ومع ذلك وصل مَن وصل إلى قناعة أنَّ المغربي إذا جاعَ قال الحمد لله وإذا مرض كرَّرَ نفس الحمد لكنه إن ظُلِمَ فهو صعب لطعم عدم أخذ مستحقاته لا يذوق ، بالفعل نهشَ الجُور كبده فلم يعد يطيق سماع خطاب الأمل الصادر عن أفواه تعرّت نفوس أصحابها بما تحتضنه من عيوب مع كل شروق ، وانغماسها كل مساء في براميل مكدَّسة من لدنها بالمسروق ، وهكذا الفقير المغربي بما يجري حوله يوميا تراه كالديك الفاقد الرِّيش بالحياة وسطَ "طنجرة" غلاء المعيشة بغير زيت مَسلوق .
النَّأْيُ عن التدبير المنطقي مَسحَ لدى المواطنين المغاربة ما بقيَ عالقاً بأذهانهم من ثقة في حُكَّام ألفوا التغلّب على الأزمات بمواجهة أي اضطراب (هم أساس وقوعه) باستعمال ما يسيل الدم وليس فقط الدموع كشأن منعته عالميا هيئات الأمم المتحدة المُختصّة بقرار حَسْمُهُ مَطرُوق ، اعتبارا ممَّا سيأتي مخالفاً لما مضَى في مراحل غَطَّى فواجعها غرور صِنْفٍ مِن المسؤولين ما جرَّبوا بعد حقيقة غضب الشعب إن شملهم قولاً وفعلاً بما لهم قد لا يروق ، القادم أقوى من أي حراك منفرد بجهة دون غيرها لعموميته بين الأرياف والحواضر لا توقفه آلاف العصي في أيادي عناصر القوات المساعدة عبر قيادات النفوذ الترابي المجزَّأ لتبسيط إجراء مساطر التعسُّف المعروف بدقة مكانه ومَن تجمَّع فيه فرداً فرداً تُحرَّر ضدهم تقارير لكثرتها توضع في صندوق ، يُنْقَل لمَن يوزِّع العقوبات في وقت مُؤجَّلٍ حسب هدوء البُروق ، أو هكذا لا زال يحلم من شطَّب الخزائن وصمَّم على استمرار إغراق جهات المغرب في بحر الهموم ، من أجْلِ عِزِّ حفنة من البشر يستحيل أن يدوم ، لحكمة يردّدها كل حر كريم المغرب للمغاربة كان وسيكون ، وليس ذاك الذي أكلَ عليه الدهر وشرب عكس تاريخ بالأمجاد المستقبلية متجدِّد ، كما عزم مغاربة إخلاصهم للوطن نابع عن إرادة من حديد ، لا عظيم فوقهم مثل أي أحد مثلهم مخلوق .