أحمد شهاب يكتب:
مسارات الإصلاح السياسي في الكويت
الرغبة في الاصلاح السياسي التي بدت واضحة في الخطاب الاميري الاخير تتطلب كما اشار ولي العهد الكويتي الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح الى تضافر الجهود لإنجاحها على أرض الواقع.
من المؤكد أن الإصلاح السياسي له اضلاع منها ما يرتبط بالثقافة السياسية وطبيعتها وعمقها ومدى تغلغلها في الثقافة العامة للمجتمع، ومنها ما يرتبط بوعي الناس وتفاعلهم مع ما يجري حولهم بصورة إيجابية، ومنها ما يرتبط بالنظام السياسي القائم.
نتحدث مثلا عن وعي الناس وحثهم على رفع مستوى الاختيار لمن يمثلهم، وتجنب الانتخاب على اسس قبلية او مذهبية، والبحث عن نائب يشارك في عملية التشريع والرقابة بفهم ودراية، ومدى متابعة الناخب لعمل النواب ومحاسبتهم بشكل دوري حتى لا يحيدوا عن الطريق، او ينقلبوا على الشعارات التي رفعوها اثناء حملاتهم الانتخابية.
هذا الوعي الاجتماعي والانتخابي جزء من حركة الاصلاح، وشعور النواب بأنهم يخضعون لسلطة الرأي العام كفيل بالتزامهم بالمبادئ الأساسية التي تم الاتفاق عليها مسبقا مع القاعدة الانتخابية، وبالأطروحات والأفكار التي رفعوا شعاراتها أثناء الحملة الانتخابية.
الثقافة السياسية السائدة تساهم بصورة كبيرة في رفد العملية السياسية، فمعرفة الناس بمهمة النائب في مجلس الامة، وفي القضايا المطروحة للنقاش، وللتحديات التي تعيشها الدولة، يمكن الافراد من تحديد مستوى اداء كل نائب واذا ما كان هذا النائب بمستوى الحدث، أو انه يجلس على كرسي لا يليق بأمثاله، كما تؤدي الثقافة السياسية الى رفع استيعاب الافراد للمرحلة ومتطلباتها.
نتحدث كذلك عن دور الحكومة في الاصلاح، بوصفها ركن أساسي في العملية السياسية، فمن جهة أولى يقع على عاتق الحكومة مهمة تقديم برنامج عمل جديد وواضح عند تسلمها مهام الادارة السياسية، وعليها بطبيعة الحال تنفيذ هذا البرنامج من خلال سلطتها وادارتها للاجهزة الحكومية ومؤسسات الدولة.
من جهة أخرى فإن صلاح الحكومة يحافظ على صلاح البرلمان، فعلى سبيل المثال، يلعب المال السياسي دورا سلبيا وخطيرا في تدمير ذمم السياسيين ومن بينهم النواب، وهو ما أشار له ولي العهد الكويتي في خطابه الأخير، وحديثه الصريح والمباشر عن إيقاف صندوق الديوان بوصفه الأداة الرئيسية للتلاعب في نتائج الانتخابات والتأثير على المشهد السياسي.
إذ يعمل المال السياسي، سواء كانت عينية او نقدية، أراضي ومزارع وشاليهات او كاش نقدي وشيكات، على تشوية ارادة الناس من خلال تأثير الحكومة على نتائج الانتخابات او التأثير على مواقف ممثليهم بعد وصولهم الى البرلمان، ودخول النواب في أحلام الثراء بدلا من احلام الإصلاح.
وتلعب ظاهرة "الخدمات" التي تفتح الحكومة حنفيتها لأعضاء البرلمان وبعض السياسيين دورا في تعزيز نفوذهم وسلطتهم على الناخبين، نلاحظ مثلا بارزا في تودد المرشح للناخبين لمدة عدة أيام وهي فترة الترشح للانتخابات، وبعد اغلاق صندوق الاقتراع يبدأ الناخب بملاحقة النائب والتودد له لتخليص معاملاته وتسهيل إنجازها لمدة أربع سنوات، في حال أن مهمة الوزارات والمؤسسات هو تسهيل معاملات الناس لا تعطيلها، وربط تخليص المعاملات بوساطة النواب والشخصيات السياسية هو جزء من الفساد السياسي.
ان تعطيل اجراء معاملات المواطنين بشكل سلس وروتيني يلعب دورا رئيسا في تعزيز العلاقات المصلحية بين النائب والناخب، ويصعب من عملية حسن الاختيار، كما ان الفساد الاداري اساسا هو جزء من ماكينة الفساد السياسية، بل يعتبر من أحد أهم أذرع الفساد السياسي، ولذا فان إصلاحات شاملة وجذرية تشمل إصلاح عمل وأداء الوزارات الحساسة هو وحده الكفيل بترشيد العمل السياسي بصورة تلقائية.
إن الزام جميع اجهزة ومؤسسات الدولة باحترام القانون وحقوق الإنسان والالتزامات الدولية الصادرة بهذا الشأن، من شأنه أن يعزز من قيمة المواطنة، ويدفع نحو دخول جميع المواطنين في دائرة الإصلاح والتنمية بوصفهم شركاء في الأرض.
نتفق جميعا على أن فكرة الإصلاح السياسي من الأفكار المتقدمة التي تطرحها الشعوب الناهضة، لكن ان لم ترفد بخطوات حقيقية، يشعر بها الناس، فان الاصلاح لن يكون سوى نقل عش الفساد من زاوية إلى أخرى، فتغيير الأسماء لا يدل دائما على تغيير المناهج وأدوات العمل.