محمد أبوالفضل يكتب:

عقدة النائب العربي في الكونغرس الأميركي

فرحت الكثير من الدوائر العربية بتجديد عضوية إلهان عمر ورشيدة طليب في الكونغرس الأميركي في الانتخابات التي جرت قبل أيام، وزادت غبطتها مع تواتر معلومات حول وجود أربعة نواب آخرين ينحدرون أيضا من أصول عربية، ومبعث ذلك اعتقاد زائف بأن هؤلاء يمثلون رصيدا للدفاع عن القضايا العربية في أهم منبر سياسي وتشريعي في الولايات المتحدة.

يزداد الشغف في المنطقة العربية مع صعود نجم أي سياسي في أميركا اللاتينية، والتي شهدت دولها نحو عشرة رؤساء جاؤوا من أصول عربية، لكن علاقتهم بقضايانا مختفية أو محدودة، ويفر غالبيتهم منها، ولا يعبأون بتفاصيلها أو يحاولون الدفاع عنها، فالمكون الذي أدى إلى صعودهم لا علاقة له بجذورهم أو انتماءاتهم العربية.

أثبتت تجربة إلهان عمر التي جاءت من أصول صومالية، ورشيدة طليب المنحدرة من أصول فلسطينية، أن احتفاء بعض العرب والمسلمين بهما لم تكن له أصداء إيجابية في طريقة التعامل مع أزمة الصومال التي مضى عليها أكثر من ثلاثة عقود من جانب إلهام، أو القضية الفلسطينية التي تقترب من مرور قرن وهي محل شد وجذب كبيرين.

تأتي المقارنة بين القادمين من خلفيات عربية والمسلمين الذين زاد انخراطهم في انتخابات الكونغرس ومجالس الولايات الأميركية، وبين نظرائهم اليهود الذين ينشطون في الملفات الخارجية، وينصب جوهر المقارنة حول ما يقدمه الفريق الأول لدعم القضايا العربية، وما يجود به الثاني لدعم رؤية إسرائيل في المحافل المختلفة.

يأتي انتخاب أعضاء الكونغرس وممثلي الولايات على أساس محلي بكل أبعاده السياسية والاجتماعية، وتعد مسألة الجذور ثانوية، فلا توجد مقاطعة خالصة للعرب والمسلمين أو اليهود، قد توجد نسبة كبيرة ومؤثرة من هؤلاء وهؤلاء، لكن في النهاية تتوقف عملية الاختيار على اعتبارات تتعلق بمدى قدرة العضو على إفادة مجتمعه المحلي، ويحاسب على ما قدمه وما لا يقدمه في هذا الإطار.

تنطبق هذه القاعدة على الجميع، مع ذلك يظل أصحاب الجذور العربية أقل تعاطفا مع القضايا التي تهم ذويهم السابقين، وهي عملية لا تحتاج إلى مواقف سياسية صاخبة تكلف صاحبها خسائر مباشرة في محيطه المحلي، لأنهم يشعرون دائما بأنهم متهمون بالانحياز، ولإثبات العكس قد يميلون إلى تبني مواقف مناهضة.

ينطوي الوقوف بعيدا عن القضايا العربية وربما مخاصمتها من قبل غالبية السياسيين المنحدرين من أصول عربية ومسلمة، على أربعة محددات أو تفسيرات رئيسية، تتقدم أو تتأخر لكنها تساعد على تقديم مقاربة عملية للبعد أو البغض أحيانا، وتبين لماذا لا تنسجم الفرحة بصعود أحدهم مع النتيجة التي يمكن الحصول عليها.

المحدد الأول: الصورة الذهنية التقليدية عن العربي في المجتمع الأميركي، فهي في جزء كبير منها غير إيجابية، على الرغم من وجود نماذج ناجحة في الكثير من المجتمعات الغربية، تكشف تناقض البيئة التي تستطيع هضم داخلها أبناء الجاليات من دون التخلي عن بعض الأنماط السلبية التقليدية، والتي تظهر في مواقف مثل الانتخابات وما يترتب عليها من تسليط ضوء على تصرفات العضو، خاصة إذا كان من جذور غير أميركية.

تمكن المجتمع الغربي من تجاوز الكثير من فصول العنصرية البغيضة ولكن لم يتم بعد التخلص من أبعادها السياسية التي تظهر في بعض المنعطفات، خاصة أنه جرى رسم صورة قاتمة في العقل الجمعي الغربي يحتاج محوها إلى المزيد من الجهود، ناهيك عن الأنماط التي تمثلها نوعية إلهان ورشيدة، وتفرض التعمد في عدم إظهار التعاطف، وأحيانا العكس لتأكيد أن الولاء خالص للمجتمع الأميركي.

تبدو هذه الحساسية مفرطة بالنسبة إلى العرب، بينما تكاد تكون متلاشية عند اليهود، وقد يمثل انحيازهم إلى إسرائيل مكسبا لهم ودليلا على الانتماء إلى البيئة الغربية التي تنظر إليها على أنها جزء من التكوين الثقافي والحضاري للغرب، على خلاف العربي الذي لا تزال النظرة إليه مليئة بالشكوك والهواجس.

المحدد أو التفسير الثاني: تشعب القضايا العربية وعدم الوضوح في تفاصيلها، والذي أدى إلى انقسامات بين أصحابها الأصليين، فإذا أرادت إلهان عمر دعم بلدها فمع من تقف، مع أرض الصومال الذي أعلن انفصاله منذ زمن عن الدولة من دون اعتراف دولي، أم مع الحكومة المركزية في مقديشو المنخرطة في معارك عديدة لتوحيد صفوفها، أم مع قبائل وميليشيات وإرهابيين يخوضون حروبا طاحنة؟

يقترب موقف رشيدة طليب من إلهان عمر، فالقضية الفلسطينية يتجاذبها فصيلان أساسيان، فتح وحماس، وعلى يمين ويسار كليهما مجموعة من الحركات تخطب ود هذه وتختلف مع تلك، إلى أن نجد مشهدا عبثيا يحيط بالقضية الفلسطينية، فهناك تباين واسع في القواعد الأساسية التي تحدد أطر الانتماء الوطني.

تتلاشى هذه الإشكالية في إسرائيل، وإن وجدت في شكل خلافات بين أحزاب اليمين واليسار، والمتشددين ودعاة السلام، وكل المسميات التي تشير إلى انقسام تتوقف عند نقطة معينة تتعلق بالولاء لإسرائيل، فالمزايدات هنا تنحصر في درجة الحفاظ على المصالح الوطنية من وجهة نظر كل حزب أو حركة يمنية ويسارية، ولذلك يسهل دعم إسرائيل من جانب النواب اليهود في الكونغرس الأميركي.

المحدد الثالث: وجود منظمات نشطة في المجتمع الأميركي تمثل غطاء متينا لأعضاء للنواب، وتتبلور في ما يعرف بـ”اللوبي” أو جماعات الضغط بألوانها وأشكالها المختلفة، والتي تعد الذراع الداعمة للناشطين فيها ويحققون مصالحها، فحتى الآن لا يوجد لوبي عربي أو مسلم محدد ومؤثر بقوة في الولايات المتحدة، واللوبيات العربية التي تشكلت مؤخرا تخدم مصالح وقضايا دول وليس قومية، واللوبيات المسلمة تعمل لدعم جماعات أيديولوجية لها أجندات سياسية وليس مسلمين عاديين.

خلق هذا التكوين موقفا صعبا على ذوي الأصول العربية من أعضاء الكونغرس، وضاعف المأزق أمامهم، فالميل إلى دعم قضية يحسب لصالح دولة معينة وليس مجتمعا عربيا متكاملا غير موجود سوى في خيال بقايا القوميين العرب، ولذلك لم تظهر كرامات سياسية لإلهان أو رشيدة في القضايا العربية المغرقة في الانقسامات.

المحدد الرابع: العقدة التي تحكم عقل النواب العرب، فقد جاءت إلهان ورشيدة بعد خروج والديهما قسرا من الصومال وفلسطين ووسط ظروف صعبة، ولم يكن ذهاب عدد كبير من السياسيين من جذور عربية طواعية إلى الغرب أو رغبة في المشاركة السياسية، وفي القلب منه الولايات المتحدة، الأمر الذي أوجد ما يعرف بالعقدة التي تؤدي إلى شعور جارف بالنفور وعدم التعاطف مع الدول التي قدموا منها.

يلعب المحدد النفسي دورا مهما في تبني مواقف أشبه بالانتقام بأثر رجعي وقتل كل تعاطف كامن في الوجدان بموجب العرق أو الدين، وتكون النتيجة هي المشهد السلبي العام الذي قدمته إلهان ورشيدة في الكونغرس نحو الصومال والقضية الفلسطينية.