د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):

الحجاب والمؤامرات المحاكة ضد الثورة الإيرانية

بداية وقبل كل شيء نذكر البعض ونجيب البعض الآخر بأن المجتمع الإيراني بكل مكوناته مجتمع محافظ بطبعه يحكمه الحياء وتسوده القيم قبل حكم ملالي الجهل والطغيان، وفي زمانه لما أراد الشاه الذي كان مهووسا بالغرب متناسيا هويته وانتماءاته لما أراد إجبار النساء على نزع الحجاب رفضوا سياسة الإكراه كما رفضوه هو ونظامه ووجوده وواجهوا كل جبروته وطغيانه وأذلوه وأسقطوه وكانوا أنضج وأكثر أصالة منه ومن نظامه وحافظوا على قيمهم الدينية والاجتماعية، والحال نفسه ينطبق على الإكراه على يد ملالي الرذيلة خاصة عندما حاولوا ذلك بالعنف والقتل والدم والمساس بالحرمات، وهذا ما أدى اشتعال الانتفاضة القائمة أساسا والممتدة منذ عقود ضد الظلم والإعدامات والفقر والبطالة والجوع والغلاء والتضخم والتشرد وتجفيف الأنهر والإضرار بالبيئة والبشر، وسرقة ونهب المال العام وزج أبناء الشعب في مهالك حروب الباطل وهدر موارد الدولة على تصدير الإرهاب والمشاريع التوسعية في دول المنطقة والعالم، وبرامج الصواريخ والتسلح النووي وغيرها من الكوارث، وكل ذلك من أجل الحفاظ على نظام حكم الملالي البغاة، وبالتالي فإن من أراد أن يتكلم عن الشعب الإيراني ويقول إنها ثورة سفور فليتقي الله ربه ويصن لسانه ويعفه ويبتعد عن نشر تلك الإفتراءات التي يروج لها الملالي الذين ينالون من كرامة وشرف شعبهم من أجل إنقاذ عرشهم المتهاوي ولو لديهم ذرة من الكرامة لما فعلوا ذلك، وأما فكر وثقافة التشهير وتسفيه الآخر فهما أمر دأب عليه الملالي منذ بداية سلطانهم للنيل من شرف وكرامة من أشرف وأطهر وأنبل منهم وأصدق.

لم تنطفأ شرارة الثورة الإيرانية منذ إنطلاقتها عام ١٩٧٩ذلك لأنها لم تحقق أهدافها واستولى الملالي على ثورة الشعب ووأدوا أحلام الجياع والمستضعفين وزادوهم بؤسا على وأمعنوا في ظلمهم واستخفافاهم بأرواح الناس وكرامتها وشرفها ومطالبها وحريتها، ومن أكثر ما يثير العجب في هذا النظام هو استخفاف بعقول البشر وبالرأي العام وبالمجتمع الدولي وكأنما لم تكن في إيران أزمة سوى مفارز ما يسمونها على غير مسمى بدوريات الأخلاق، وبحل دوريات الأخلاق إنتهت كل المشاكل وحُفِظَت كرامة الشعب وتوفرت الحريات، وانتهت أزمة الغلاء والبطالة، وانتهى نهج القمع والقتل والخطف والإعتقالات التعسفية والتعذيب والتنكيل في السجون وانتهاكات حقوق الإنسان انتهت أحكام الإعدام الباطلة، وماذا يمكن مراجعته في هكذا نظام توليتاري ثيوقراطي رجعي توسعي لم يقتصر بغيه وعدوانه وبؤسه السياسي على إيران فحسب بل شمل دول وشعوب المنطقة وكذلك العالم. 

ويسعى البعض منذ تأجج شعلة الإنتفاضة في ١٦سبتمبر ٢٠٢٢ وإلى اليوم إلى وسم الإنتفاضة بالسوء وتقزيمها على أنها انتفاضة حجاب وسفور فقط وهذا أمر إما أنه ينم عن جهل وإما عن تعبئة لإفشال الإنتفاضة من أجل إبقاء نظام الملالي في سدة الحكم وإدامة معاناة الشعب الإيراني وتجاهل تضحياته وآلامه، أما من كتبوا وتحدثوا عن جهل وهو أمر معيب فنقول لهم لا يزال أمامكم متسع من الوقت للتكفير عن أخطائكم وتقولوا أن الإنتفاضة انتفاضة شعب من أجل الكرامة والحرية والديمقراطية وأن الإكراه في الملابس والحجاب جزءا من الكرامة، وأما من كتب وعبأ من أجل بقاء النظام فنقول له لا تتعجل ولا تكن ملكياً أكثر من ملك فنظام الملالي اليوم منقسم في قلبه على نفسه ولا يفكر في تغيير ثوابت سلطانه فحسب بل يفكر حتى في تغيير جلده وردائه والتنازل عن (...) هذا إن كان عنده من الأساس شيئا من ذلك، وكل هذا من أجل أن يبقى في الحكم ويعيبون على ما قد سلف من التاريخ وهم أكثر نفاقا وبغيا وتجبرا، ومهما فعل النظام والمطبلين له وجنوده في العراق ولبنان وسوريا واليمن وفلسطين وحملة راية سياسة الإسترضاء في الغرب.. مهما فعلوا جميعا فلن يُسكِتوا إنتفاضة الشعب ولن ينجو النظام الإيراني من السقوط مهما حاربتم الثورة الإيرانية، ومهما قللتم من شأنها وقلتم ثورة حجاب.. وثورة إنفصاليين.. وثورة تلك الفئة وهذه الفئة لن تفلحوا في شيء بل سيعزز ذلك من شأن الإنتفاضة ومن شرعيتها، وكذلك يُظهِر ضعف وضحالة النظام وجنوده وإقترابه من حافة الهاوية.

الإنتفاضة والثورة الإيرانية ثورة شعب بأكمله بكل فئاته ومكوناته هي ثورة ثأر وكرامة وحرية وشرف ضحت بمئات الشهداء كي تسقط النظام وليست ثورة حجاب تخرج ليومين وتختفي، ولا ثورة عاطلين عن العمل توفر لهم الوظائف وينقضي الأمر، ولا ثورة فئة يخدعها النظام بوعود كاذبة ويحتال عليها ليتخطى ما به من مآزق ومصائب هي من صنيع يديه الملطختين بالدماء.. إنها ثورة شعب آزر بعضه من الشمال للجنوب ومن الشرق للغرب، وها هي نساء زاهدان يخاطبن الجميع أصالة ونيابة قائلات (بالحجاب وبدون حجاب ماضون قدما نحو الثورة الشاملة) ولن تفلح مناورات بعض تيارات النظام وتيار الإسترضاء في الغرب من أجل إحياء نظام كتب على نفسه الموت من سلبه لثورة عام 1979 وطغيانه وإجرامه بحق 69% من الأبرياء في إيران، وهدمه لأربعة دول عربية وتشريد وتجويع شعوبها.

خلاصة القول شارك ويشارك بالثورة رجالا ونساء وشبابا وأطفال وكبارا وصغارا واستشهد في الثورة نساءا ورجالا وشبابا ذكورا وإناثا، وأطفالا ذكورا وإناثا، وشارك في الثورة محجبات وغير محجبات.. أما غير المحجبات فقد نزعن الحجاب وأحرقنه تحديا للنظام وسياسة الإكراه التي يمارسها على الرداء والسلوك والحريات، وأما الثوابت التي قامت من أجلها الثورة هي ثوابت ثورة 1979 إسقاط نظام ولاية الفقيه وإزالته من الوجود، والثأر لدماء الشهداء من خلال محاكمات عادلة، وإقامة جمهورية ديمقراطية شعبية تحترم حقوق الفرد والجماعات وفق قوانين المواطنة العادلة التي لا تعرف الأنسان وفق جنسه أو لونه أو معتقده أو منطقته وإنما كمواطن يتساوى في الحقوق والواجبات تحت مظلة القانون. 

د.محمد الموسوي / كاتب عراقي