ماريا معلوف تكتب:
كيف تتعامل أميركا مع تقرب الصين للشرق الأوسط؟
عكست زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية مؤخرا وعقد قمة مع مليكها وولي عهده وكذلك عقد قمة صينية عربية والتوقيع على اتفاقات وشراكات تجارية بمليارات الدولارات، بشكل جلي تقاربا أوسع بين حلفاء الولايات المتحدة القدامى مع بكين، الأمر الذي أخاف أميركا من هذا التمدد الصيني في عمق الشرق الأوسط، في وقت تنشغل فيه إدارة الرئيس جو بايدن بالحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها المختلفة.
تشعر الولايات المتحدة في زيارة زعيم الصين للسعودية وعقد قمة مع ملك السعودية وولي عهده وكذلك عقد قمة مع قادة عرب بقلق من تزايد التقارب الصيني من منطقة الشرق الأوسط، في وقت يؤكد فيه المسؤولون الأميركيون أنهم يريدون جعل الشرق الأوسط أقل أولوية مع تركيز قدرات واشنطن الدبلوماسية والعسكرية على آسيا وأوروبا.
وعلى الرغم أن العلاقات الصينية مع السعودية ومنطقة الخليج بدأت منذ عدة عقود لتأمين احتياجات بكين المتنامية من الطاقة، إلا أن العلاقة تعمقت بقوة خلال السنوات الأخيرة لتمتد إلى مشاريع البنية التحتية ونقل التكنولوجيا كما قفزت معدلات التجارة باستمرار، وبخاصة مع السعودية التي أصبحت بكين شريكها التجاري الأول، حيث تجاوزت عام 2020 أكثر من 65 مليار دولار، بمعدل زيادة سنوي يفوق 15 في المائة، وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي، وهو ما يماثل أكثر من ضعفي التجارة السعودية مع الولايات المتحدة التي بلغت نحو 20 مليار دولار في العام نفسه.
وأكثر من ذلك نمت تجارة الصين مع جميع الدول العربية إلى 330 مليار دولار العام الماضي بمعدل نمو سنوي بلغ 37 في المئة، وفقا لصحيفة "غلوبال تايمز" الصينية، وتبعا لذلك ينظر الغربيون وخاصة أميركا بقدر من الريبة والحذر الشديد لتطور ونمو العلاقات الصينية - العربية خلال الفترة الأخيرة على أكثر من صعيد.
ومن الواضح أن الهاجس الأميركي والغربي يكمن في قدرة الصين في خلق تعاون جدي مع دول مجلس التعاون الخليجي وخاصة مع السعودية وفي مجالات متشعبة، إذ يشير تقرير تعقب الاستثمار الصيني العالمي، الذي يصدره معهد "أميركان إنتربرايز" في واشنطن، إلى اهتمام صيني مستمر بالاستثمار في اقتصادات الخليج العربي، حيث بلغ إجمالي قيمة الاستثمارات التراكمية الصينية ومشاريع البناء 43.47 مليار دولار أميركي في السعودية، و36.16 مليار في الإمارات، و30.05 مليار في العراق، و11.75 مليار في الكويت، و7.8 مليار في قطر، و6.62 مليار في عُمان، و1.42 مليار دولار في مملكة البحرين.
من خلال اتجاهات تطور العلاقات الصينية الدولية، فمن المتوقع أن تلعب الصين دورا مهما في النمو المستمر للصناعات غير النفطية في منطقة الشرق الأوسط وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي، فهناك تعاون كبير بين حكومات بكين ودول المجلس في مجالات التنمية، مثل السياحة والاتصالات والطاقة المتجددة والمدن الذكية والذكاء الاصطناعي والأعمال الموجهة نحو التكنولوجيا.
وتحاول أميركا منع رسم نظام عالمي جديد بقوة ناعمة صينية وذلك عبر وقف هذا التمدد الصيني في عمق الشرق الأوسط وخاصة دول الخليج العربي، حيث أعربت واشنطن عن تحفظاتها بشأن استخدام دول الخليج تكنولوجيا الجيل الخامس الصينية، وكذلك الاستثمارات في البنية التحتية الحساسة مثل الموانئ.
واللافت أن بعض المخاوف الأميركية غير مبررة ولم تلق صدى وآذانا صاغية من قبل الدول الخليجية والعربية التي ترغب في تنويع اقتصاداتها واستثماراتها، إذ وقع الوفد الصيني عشرات الاتفاقات مع السعودية ودول عربية أخرى تشمل الطاقة والأمن والاستثمارات، الأمر الذي يؤكد الرفض العربي للمخاوف الأميركية تجاه العلاقات الآخذة بالتطور مع الصين وفي كافة الاتجاهات، ومن حق دول منطقة الشرق الأوسط وخاصة الخليج العربي تنويع الشراكات التجارية والصناعية التي تصب في مصالحها بعيدا عن هواجس أميركا التي أظهرت قلقاً شديداً حول مستقبل نفوذها العالمي.
إن القمم الثلاث التي عقدها الرئيس الصيني مع السعودية وشارك فيها نحو 30 من قادة وزعماء الشرق الأوسط ، فضلاً عن توقيع شراكة استراتيجية بين بكين والرياض ومع دول عربية أخرى، هي رسالة مفادها بأن نفوذ الصين في المنطقة يتمدد بسرعة في وقت يقول فيه المسؤولون الأميركيون إنهم يريدون جعل الشرق الأوسط أقل أولوية، مع تركيز مواردهم وقدراتهم الدبلوماسية والعسكرية نحو آسيا وأوروبا.
وقد تجرد هذه التحولات أميركا من كونها قطبا وحيدا في إطار العلاقات الدولية التي تشهد تسارعا ملحوظا لخطوات الصين باتجاه العالم وخاصة منطقة الشرق الأوسط ودول الخليج وكأنها ترسم نظاما عالميا جديدا بأدوات ناعمة وغير خشنة لتصبح لاعبا ذو وزن في إطاره وعلى كافة المستويات الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية.