د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):

إيران والمنطقة بين خيار غربان الموت المنفلتة أو بديل بلغة التسامح وسلمية التعايش واحترام الجوار

باريس

 تياران في الوجود منذ الأزل وحتى الأجل (الخير وأهله، والشر وأهله) ولا شيء بينهما، ومن فضل الله تبارك وتعالى أن الخير منتصر لا محالة وإن تأجل نصره حتى يأذن الله، وأسوأ الشر هو ذلك المتأتي من ممن يدعون أنفسهم خلفاء لله على الأرض ولا غيرهم كملالي طهران الذين ينطبق عليهم قول الله تعالى بحق غيرهم (مثل الذين حُمِلوا التوراة ولم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفار بئس مثل القوم الظالمين) فلا فرق بينهما فكلاهما عرف وعصى. 

بُنيت القاعدة الفكرية الأساسية للمقاومة الإيرانية على القراءة ثم الإصلاح والبناء؛ ومن جملة القراءات التي قرأتها المقاومة الإيرانية وعلى رأسها منظمة مجاهدي خلق هي نقد النهج والفكر الدينيين وتصويبهما؛ وكانت بداية تلك القراءات على يد المؤسسين في حقبة دكتاتورية الشاه أي ما قبل عام 1979 عندما كان الملالي يعيشون كوعاظ للسلاطين في مسيرة ممتدة من سلطان إلى سلطان ومن مُلا إلى مُلا (مُلا مفرد ملالي) حيث لم تكن سلامة العقيدة لدى أغلبهم في مقدمة الإهتمامات بل كان رضى السلطان وتسخير العقيدة في إرضائه وإرضاء شهواته في مقدمة أولوياتهم مخالفين القاعدة الفقهية القائلة لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وقد عكسوا تلك القاعدة وتمادوا في غيهم مفسدين ومعينين للجبابرة على طغيانهم غير مبالين بما ألحقوه من تشويه وإفساد للعقيدة أمام العامة من البسطاء وأمام الرأي العام العالمي.، وكانت نتيجة تلك القراءات أن الخلل ليس بالدين وإنما بأولئك الذين استغلوا الدين لخدمة أطماعهم وتلبية أهواء السلاطين وإدامة ظلمهم وطغيانهم وحملت الشعب ضريبة بغي الملا والسلطان على مر عصور سلطوية متعاقبة أهلك فيها الراعي الرعية والدين ووضعوه في يد المُدعين وإطار الزيف والخداع لترويض الرعية وجعلها تابعة مطيعة بلا وعي، وبالتالي أصبح سلاحا لمحاربة الملا والسلطان وانقاذ الدين والمجتمع منهما، فعندما كان السلطان يُكرِه النساء على السفور والتخلي عن الحجاب كان المُلا ينعته بولي النعم ويعزز سلطانه فيما كانت الناس على بساطتها تتمسك بكرامتها وعفتها.

ما نود التأكيد عليه هنا هو أن عملية رفض سلوك ونهج الغالبية العظمى من الملالي كانت قائمة قبل الثورة، وبالتالي لم يكن رفضهم كليا بعد الثورة أمرا إنفعاليا أو سطحيا وإنما وفق رؤية مدرستين الأولى تنتهج (الخداع والزيف والإدعاء والعنف) لبلوغ مآربها، والثانية قرأت تصفحت جنبات التاريخ والحقائق وبحثت فوجدت الحق بارزا ساطعا لامعا قويا لا يحتمل الخداع ولا الأساطير المنسوجة من أجل البدع والشهوات في الدنيا الزائلة فإتبعته سبيلا تهتدي وتستنير به وعقدت العزم على نصرته وإنقاذه والسير بقيمه النقية (الحق - الصدق – العدل – التسامح – الوسطية والإعتدال - مرضاة الله) كثوابت لها، ومن هنا كان لهذه المدرسة قيما أخلاقية معبرة عن حقيقة الإسلام في مجتمعه وفي محيطه الكوني مع الثبات على الأركان والفرائض الدالة على صدق العقيدة وكمالها ولا تجد مدرسة الإعتدال في الإختلاف الفقهية بالعقيدة الواحدة إلا دليلا صحيا يجمع الجميع مرتكزين على العلمية بالحق متحاورين متآخين ومتحابين فيما بينهم، بينا تجد مدرسة التطرف والمغالاة ذلك وسيلة هامة لإثارة الفتن والصراعات والحروب بين الإخوة في المجتمع العقائدي الواحد.

من سمات المدرستين 

وفيما تغلب مدرسة الإعتدال روح الإنسانية على نهجها فجعلت من كيانها مظلة جامعة لكل أبناء الشعب الإيراني بجميع مكونات أعراقا وأديانا ومذاهب وطوائف وفئات وطبقات المجتمع الإيراني يتظللون تحت قيمها ومبادئها ويتساوون في الحقوق والواجبات دأبت مدرسة التطرف والمغالاة على العنصرية والقهر والقمع والكبت والإضطهاد لكافة المكونات خاصة الأقليات الدينية والطائفية حيث يُفرض عليهم وضع صور رموز النظام في كنائسهم ومعابدهم وأماكن عبادتهم والتقيد في مناسباتهم الخاصة بما يفرضه هو تعيمات لا علاقة لها بالإسلام والتسامح الإسلام الذي يقول لكم دينكم ولي دين في مجتمع منضبط متآلف متحاب، ومن المفارقات لدى مدرسة التطرف هذه أنه إن كان على بعض أبناء الأقليات العقائدية الصغيرة أن يضعوا صور رموز النظام في معادبهم وكنائسهم وأديرتهم فإن المسلمين السنة وهم ليسوا بأقلية لا جامع لهم في طهران ولا يسمح لهم ببناء جوامع إلا في مناطقهم علما بأن من حقهم أن يكون لهم مساجد وجوامع في طهران وغيرها من المدن الإيرانية الأخرى.، وفيما دأبت مدرسة الإعتدال التي تمثلها منظمة مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانيين على الإعتراف بحقوق الآخرين ومشاركتهم مناسباتهم ليس من باب البروتوكولات المعمول بها فقط كما تفعل السيدة مريم رجوي زعيمة المقاومة ورئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المقاومة للمرحلة الإنتقالية عندما ترسل برقيات بمناسبة رأس السنة الجديدة وأعيادة الميلاد مثلا بل من باب الإيمان بالآخر وحقوقه وقد كانت مدينة أشرف في العراق تقيم بشكل سنوي مراسيم احتفالية مهيبة رصينة لأنصارها وأصدقائها من الأخوة المسيحيين بمناسبة رأس السنة وأعياد الميلاد المجيدة وتدعو على شرفهم الكثير من المسلمين العراقيين للمشاركة بهذه المناسبة، ولا تزال تقام هذه المراسيم سنويا، ولا تزال السيدة رجوي تقدم برقيات التهاني بروتوكوليا وقيما واحتراما وإظهارا لسماحة الإسلام ورقي المسلمين بغض النظر عن الطرف الآخر إن كان مقدرا لذلك أم لا، أو حتى وإن كان لا يزل مستمرا في نهجه الإسترضائي مع ملالي طهران أرباب مدرسة التطرف والمغالاة.

وبينما كان جحيم الحرب الأوكرانية الروسية قائما على رؤوس المدنيين في أوكرانيا كانت مدرسة الإعتدال تساند وتناصر قضية أوكرانيا وشعبها المنكوب بينما كان الغرب الذي أقام الدنيا وأقعهدها ولا زال من أجل أمنه وأوكرانيا التي تعنيهم كثيرا جدا لأنها هي من عرقهم ولونهم ودينهم وجنسهم على حد تعبيرهم النابع من داخلهم وليس على حد تعبيرنا كان ولازال على الرغم من كل ذلك يساير نظام الملالي أرباب مدرسة التطرف والمغالاة مواكبا له ولرغباته في إطار سياسة المهادنة والإسترضاء متناسيا جحيم أكثر من 43 سنة ذلك الذي يعيشه الشعب الإيراني وشعوب ودول المنطقة الذين ليسوا من دينه ولا من قومه ولا من لونه وبالتالي لا يعنيهم أمرهم، ولم تُكِل المقاومة بكيل الغرب وازدواجيته بل بقيت على مكيالها القيمي التي دأبت عليه، تتعاطف وتناصر وتقدم التهاني والتبريكات كأصول وواجبات أخلاقية بين البشر على الرغم من آلامها وجراحها حيث يتساقط أبناء شعبها أمام جحيم آلة الموت القمعية للنظام الفاشي في إيران الملالي الذين باتوا يطلقون ويصدرون وينشرون غربان الموت المسيرة على البشرية هنا وهناك ودون خوف أو روادع.

أملنا أن يستعيد النظام العالمي قيمه ورشده.. هذا إن بقت له قيمٌ أو رشد.، أما نحن فعلينا أن نصنع خياراتنا...

د.محمد الموسوي / كاتب عراقي