محمد أبوالفضل يكتب:

روافد أزمة العمالة المصرية بالكويت

كان من الممكن أن يمر حادث مشاجرة بعض الطلبة الكويتيين في الإسكندرية أخيرا دون أن يشعر به أحد، باعتباره حادثا عاديا نشاهده يوميا، فالمشاجرات بين الشباب تحدث في مصر وغيرها، وبين طلبة كويتيين أو غيرهم، وقيام أجهزة الأمن بفضها للحفاظ على الاستقرار مسألة طبيعية ولا علاقة لها بجنسية أو نوع أو مكان.

ما جرى لاحقا ينطوي على نفخ سياسي وتصعيد مقصود من قبل جهات كويتية تريد القفز على المشكلة الرئيسية وتحويلها إلى أزمة تضاف إلى سلسلة أزمات أكثر حدة تلت قرار الدولة الكويتية تقليص العمالة الوافدة عموما، وفي مقدمتها العمالة المصرية التي زادت تعقيداتها مع عدم توصل حكومتي البلدين إلى حلول نهائية.

كشف حادث الطلبة عن ارتفاع مستوى الحساسية الرسمية في الكويت، والتي أخذت تنعكس على رد فعل الشعب، فقد تكون العلاقات السياسية والاقتصادية الرسمية جيدة، لكن بدأت تظهر عليها علامات سلبية بسبب إصرار قوى كويتية على استثمارها والسعي حثيثا نحو تصوير المصريين كأنهم مصدر إزعاج للسلطات في الدولة، ما أدى إلى زيادة التجاذبات الفردية، والشعبان في غنى عنها.

تشير الطريقة التي تعاملت بها وزارة الخارجية الكويتية وخطاب البعض من نواب مجلس الأمة إلى أن ذيول أزمة العمالة المصرية لم تنته، ويمكن أن ترخي بظلالها على العلاقات السياسية وتدخلها في نفق قد يصعب الخروج منه.

فاللهجة الشعبوية التي استخدمتها بعض وسائل الإعلام في الكويت تؤكد التصميم على عدم التوصل إلى تفاهمات حولها أو حلول وسط مرضية للقاهرة، وما أعلن عن اتصالات بين الحكومتين للتوصل إلى تسوية لن يتمخض عن شيء ملموس في المدى المنظور.

الواضح أن هناك جهات كويتية تريد وضع العصي بين العجلات لقطع الطريق على أي تسوية ممكنة في المستقبل، خاصة أن القاهرة لن تتحمل عودة مئات الآلاف من المصريين العاملين بالكويت ربما يلتحق عدد كبير منهم بطابور العاطلين في البلاد، في وقت تتسع فيه الفجوة الاجتماعية بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية على شريحة من المواطنين، وبدأت الدولة المصرية تعاني من نتائجها السلبية.

أثار تجاهل الحكومة المصرية الرد علانية على المواقف الكويتية التي جلبها توقيف عدد من الطلبة، رسميا أو من خلال وسائل الإعلام المحلية، علامات استفهام بشأن ما إذا كان موقف القاهرة ضعيفا أم تريد احتواء المشكلة ومنع تفاقمها وسكب المزيد من الزيت على النار الموجودة تحت الرماد ويمكن أن تطفو على السطح في أي لحظة وعند أقرب محك بين مواطنين في البلدين، أو أن ما وصف باعتداء قام به أفراد أمن مدني على طلبة أشبه برسالة سياسية للكويت مفادها أن للصبر حدودا.

تعاملت القاهرة بهدوء مع كل حوادث الاعتداء المتكررة على مصريين يعملون في الكويت، ليس لأنها مضطرة إلى ذلك حرصا على عدم ترحيلهم، بل لأنها تمنح الحكومات المحلية دوما أحقية التحقيق في ملابسات أي حادث في كل الدول التي توجد فيها عمالة مصرية بكثافة أو ندرة، الأمر الذي تريده من الكويت حاليا.

يأخذ مصريون على حكومتهم تبني هذا المسلك الذي يصورها أحيانا في صورة “ضعيفة” أو لا تدافع عن مواطنيها، وهي إشكالية قديمة واجهتها الكثير من الحكومات السابقة، وأدت لخلق انطباعات سيئة عن قدرتهم في الدفاع عنهم في أي دولة خليجية، وظهر ذلك في التعليقات المتباينة على شبكات التواصل الاجتماعي في حالة الكويت.

أصبحت شبكات التواصل منتدى كاشفا للمدى الذي وصلت إليه أزمة العمالة المصرية في الكويت بعد أن بدأت تستخدم في تصفية مباشرة لحسابات اجتماعية ومهنية من قبل مواطنين، لا أحد يعلم إذا ما كانوا مدفوعين من جهات رسمية وسياسية أم لا، لكن المحصلة أن هناك احتقانا لافتا لم يعد مكتوما كما كان سابقا.

قد تكون أزمة العمالة الوافدة أو مشكلة الطلبة الكويتيين هي العنوان البارز وما تحته يحمل عناوين أخرى غاطسة، من بينها عجز الحكومتين عن التوصل إلى صيغة حل مشتركة، وتباعد المسافات بين الرؤيتين لإيجاد خيط مناسب جراء رفع مصر سقف طموحاتها لعدم شمول قرار “التكويت” مواطنيها وتمسك الكويت بتطبيقه.

تظهر الطريقة التي تم التعامل بها مع مشكلة الطلبة الذين أفرج عنهم الأمن المصري بعد احتجازهم أن هناك نية داخل الكويت لتوظيفها بشكل غير مباشر في ممارسة ضغوط على القاهرة، بما يقودها لتحمل مردودات على أزمة العمالة الوافدة التي باتت عنصرا للحوار في كثير من اللقاءات بين المسؤولين في البلدين من دون تسوية ناجعة.

ويمكن أن تفضي إلى استئناف مسلسل الحوادث ضد مصريين في الكويت بشكل عشوائي أو متعمد، ما يدفع الحكومة إلى تأكيد أن مسألة العمالة قابلة لتخرج عن نطاق السيطرة، ولم تعد مشكلة تتعلق بسياسة “التكويت” وتتحول إلى أزمة مجتمعية.

في ظل حالة استنفار تقودها قوى إسلامية في الكويت ضد مصريين قد تعلن الحكومة عجزها عن التفاهم مع القاهرة لامتصاص غضب مجتمعي والفصل بين المسارات السياسية الرسمية الجيدة وتلك الخاصة بالعمالة، والتي تحولت إلى منغص لم تفلح جهود الحكومتين في إزالته، لأن تكلفته سوف تكون باهظة على الجانبين.

انعكست الأزمة السياسية المزمنة التي تعاني منها الحكومة الكويتية والفوران الظاهر داخل مجلس الأمة على أزمة العمالة المصرية، حيث تبدو الأولى مكبلة بقيود كبيرة في الحوارات التي تجريها مع القاهرة، وعندما كانت تحاول إبداء مرونة لأجل التوصل إلى قواسم مشتركة تجد من يلاحقها بحجة أنها تخرق قرارا تم اتخاذه لتعميم “التكويت”، وأي استثناء تحصل عليه مصر سيحمل تداعيات على دول أخرى.

يتسبب عدم حل أزمة العمالة المصرية في جعل الجرح ينزف باستمرار، ويمكن فتحه في أي لحظة وعند أول احتكاك بين كويتي ومصري أو العكس قد يتطور إلى ما لا يحمد عقباه، وحتى الآن لم يثبت وجود حالات اعتداء خشنة من مصريين على كويتيين في القاهرة أو الإسكندرية أو غيرهما من المدن المصرية.

مع صخب اللحن الذي تعزفه قوى كويتية معارضة واضطرار الحكومة إلى عدم الابتعاد عن أسطوانة العمالة المصرية من السهولة أن يخرج الملف عن التحكم الظاهر الآن، وبدلا من مناقشته بين حكومتين قد تتسع حوله المزايدات الشعبية والحزبية، ما يعني المزيد من الحرج السياسي لهما، وتصبح الكويت عاجزة عن التقدم خطوة للأمام، ومصر غير قادرة عن التراجع للخلف.