د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):

ابن الدكتاتور شاه إيران المخلوع يخرج عن الأصول والخطوط الحمراء

قوى العالم الحر تدعم إزاحة الدكتاتورية ومخلفاتها في إيران؛ وإنهاء قرابة قرن من الإبتزاز الإقليمي
قراءة في تجمع وتظاهرة ومسيرة الإيرانيين في باريس الأحد 12 فبراير 2023 
فارقٌ كبير بين من يُحسب على دولة لا ينتمي فيها إلا لسلطان ليس له، وجبروت استعبادي، وإمتيازات قائمة على السرقة والنهب والطغيان والإستبداد والدم والبربرية والتبعية الرخيصة.. تبعية لم تستطع أن تكون له مأوى في شدته، وإذا كان هذا هو حال الشاه المخلوع الذي خلع الروس والإنكليز أباه ونفوه في حينها وقبل هو أن يجلس محل أباه المخلوع المنفي؛ إذا كان هذا هو حال الدكتاتور المخلوع عام 1979 الذي جلس على عرش أب مخلوع فما بالكم بابن المخلوع الأخير الذي ورث تلك القيم جينياً وسلوكياً عن أبيه وجده ورحل صبيا عن إيران عام 1979 التي لم يعرف فيها سوى القصور والترف والبذخ والمجون الذي نقلوه بنفس المستوى إلى المنفى .. رحلوا بعد أن طفح كيل الشعب من إجرامهم وأفعالهم الشنيعة .. ماذا ستنتج هكذا عائلات متجبرة لا تنتمي إلى تاريخ ولا قيم ولا موروث إجتماعي، ولا يعنيها من إيران سوى الشهوات.
أيها القارئ الكريم وشريك الفكر والقيم؛ لنتذكر معا ونعلم ونُعلم من حولنا ومن بعدنا أن كل شيئٍ في هذه الحياة الدنيا دين واجب السداد على كل من فيها .. اللطف والمحبة والخير بين الناس دين واجب السداد، والشر والاستبداد وسلب حقوق الغير والقتل والظلم دين واجب السداد، وفي حينه سلب رضا بهلوي المُلك من القاجاريين بمساعدة الروس حيث كان مواليا لهم وأسس الشاهنشاهية البهلوية واستبد فجاء الروس أنفسهم بالتعاون مع الإنكليز وخلعوه وسلبوا منه الملك وأعطوه لإبنه الذي ارتكب بهذا القبول جرما شنيعا لا يتسع المقال لشرحه.. وهل يُنصف بشعبه من أجرم بحق أباه لم ينصف فطغى وتجبر وقتل وشرد وسجن وعذب وفاح طغيانه فوصل حتى إلى دول الجوار حتى بات الناس يسمونه بشرطي المنطقة، ثم يأتي عدل الله عدل من يمهل ولا يُهمل فيقع عليه وعلى أعوانه ومن سانده كالصاعقة صاعقة الثورة ثورة فبراير عام 1979 فهرب هو وعائلته محملين بثروة ضخمة من المال العام الإيراني انتقلت معهم إلى المنفى، ثم يكتمل عدل الله فيعيش الشاه المخلوع منفيا في بلد وعائلته وأبنائه وأهله في بلد أخرى كما عاش أباه من قبل ومات منفيا في جوهانسبيرغ بجنوب أفريقيا، وبينما حصل رضا شاه الأب على قبر في وطنه لم يحصل الدكتاتور محمد رضا شاه الإبن حتى على قبر في إيران والسبب هو الدين الذي لا يزال يتمم سداده .. ولا زال التاريخ يذكر قوله (من لا يعجبه الحكم في إيران مكانه السجن أو يغادر إيران إلى الأبد)، وهنا كيف سيتعامل ابنه ابن الشاه المخلوع مع الشعب الإيراني إذا فرضه الغرب عليه .. ماذا سيفعل من نبت على الطغيان والإستبداد والبغي والظلم ولا علاقة له بتاريخ ولا تراث ولا قيم ولا موروث واستمر بحياته خارج إيران مترفاً ماجناً منعماً وبفكر نمطية حكم أبيه يريد العودة إلى إيران طاعناً في ثورتها من منفاه مستهينا بهوية شعبها وتراثه وموروثه وأسمائه  وقيمه وعقائده مفترضا أن حياة المجون التي يعيشها ثوابت يجب على الإيرانيين إتباعها، ومن منفاه يعترف على نفسه أنه طاغية على نهج أبيه والولد على سر أبيه كما قالت العرب، وينتقد الحجاب عند سيدات وبنات المجتمع الإيراني ومنهن النساء في منظمة مجاهدي خلق التي كانت ولا زالت معارضة لأبيه ومن خلفه وكل من يريد أن يتخطى الخطوط الحمراء للقيم والثوابت العامة وقد أجابته السيدة مريم رجوي على كلامه خير جواب بما معناه إذا كنت تريد فرض خلع الحجاب بالإكراه  كما فعل أبيك فهذا أمر غير مستغرب.. وقد مارس خميني ثقافتكم ثقافة الإكراه من بعدكم حيث فرض الحجاب بالإكراه ..أنتم تفرضون خلع الحجاب بالإكراه والملالي يفرضون الحجاب بالإكراه، وقد ذكرته السيدة رجوي فيما إذا كان يريد أن يتكلم عن حقوق المرأة مذكرة إياه بالنساء اللواتي تعرضن لأبشع صور التعذيب وقتلوا على يد شرطة أبيه السرية (السافاك) ومن بين هؤلاء النساء اللائي قُتِلن بهذه البشاعة شقيقتها، أما نساء مجاهدي خلق المحجبات فيقدن أكبرى مؤسسة سياسية إيرانية معارضة أصيلة معارضة بجانب أشقائهن من الرجال وينتمين إلى هوية تاريخية وقيم وجذور إجتماعية عميقة وأصيلة، وفكر حر تحرري يتيح الخيار لكل فرد بالمجتمع في إختياراته وهو ما لم تعرفه الدكتاتورية المخلوعة والدكتاتورية الموشكة على الخلع.. وقد أجابه أيضا أحد القادة الكبار في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية السيد مهدي أبريشمجي في جزءٍ خطابه قائلا (من يتكلم عن حقوق النساء فليعطي حقوق شقيقاته أولا وينصف بحقهن)، وأنا أُجزم بأن الظلم والإجحاف طبيعة بشرية يمارسها الفرد على غيره حتى ذويه وخاصته، ويبدو أن بعض الإهتمام به قد أنساه التاريخ القريب، وأنساه أنه لا مكانة ولا مقام عند الشعب الإيراني لمن يستخف بقيمه وتاريخه وثورته ثورة فبراير التي خلعت أبيه ونظامه الدكتاتوري.
التجمع والتظاهرة والمسيرة في باريس 
هو تجمع لأنه جمع الإيرانيين في منفاهم بفرنسا ومن دول أوروبية أخرى، أما قاطني باريس فقد حضروا وأطفالهم في ذلك البرد الشديد، حضروا أطفالا وصبيانا وشبابا ومسنين .. حضروا نساءا ورجالا صغارا وكبارا ومن كل مكونات الشعب الإيراني.. حضروا ملبين نداء المقاومة الإيرانية للتصدي لكل من يتآمر عليهم وعلى ثورة فبراير 1979 وعلى انتفاضتهم المجيدة الجارية المتأججة منذ خمسة أشهر، والوقوف بوجه مطالبهم وشكل مستقبلهم الذي دفعوا من أجلها دماء عشرات الآلاف من خيرة أبناء بلدهم .. شهداء قدموا أنفسهم بهاءا وقيمة لأوطانهم وشعبهم، ويرفع أبنائهم وأحفادهم اليوم لواء المسيرة بتضحية وفحر وإقدام.
لم تغب قوى أوروبا والعالم الحر عن هذا التجمع إذ شاركت فيه شخصيات عالمية مرموقة من عدة دول وألقوا كلمات تشيد بالشعب الإيراني وثورته وصموده وبالمقاومة الإيرانية وكافة القوى الوطنية الإيرانية الأصيلة المعارضة ذات الشرعية والجذور العميقة، كما كانت إدانة المتحدثين في كلماتهم لعدم موافقة الإتحاد الأوروبي على وضع حرس وميليشيات خامنئي على قائمة الإرهاب وإدانتهم لمحاولات وأد مشروع الحرية من أجل إيران وفرض فلول الدكتاتورية البغيضة البائدة معتبرين هذه المحاولات هي مساعٍ لإنقاذ لنظام الملالي الإرهابي، وهنا يتبين من خلال تلك المواقف الحرة أن العالم اليوم منقسمٌ على ذاته إلى شطرين ( أغلبية حرة صادقة ترى أن نظام الملالي إرهابيا ولابد من زواله وإقامة نظام ديمقراطي يمثل الجميع ويحترم الحريات ويلتزم بمبادئ حسن الجوار، ومبادئ الأمن والسلم العالميين – وأقلية أخرى متنفذة تمثل تيار المهادنة والإسترضاء تريد استمرار مشروع الدكتاتورية في إيران لتستمر مصالحها، ويستمر مشروع الإبتزاز لدول المنطقة واستنزاف ثرواتها ومقدراتها وكسر هيبتها)، ولم نبني رأينا هذا على كلمات المتحدثين فقط بل على الموقف الرسمي داخل الإتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة أيضا، وليس هذا الإنقسام بجديد لكنه ظهر على سطح المشهد الدولي مؤخرا بوضوح.
كانت تظاهرة كبيرة مهيبة وكل من حضر فيها ترى فيه حضورا لآداء الوطني لرفض كل من تظاهر عليهم وعلى شرعية وجودهم وفكرهم ومطالبهم والوقوف في وجه من يريد أن يحيي الدكتاتورية المدفونة ليعظمون بها شأن دكتاتورية الملالي المشينة ضمن مسعى للقوى المتآمرة لتستمر السلطة في إيران للمتسلقة والطفيلين وتستمر مصالح وامتيازات المهادنين، كانت تظاهرة من أجل إيران بكل مكوناتها بكل آمالها، وقد كانت المشاركة في التظاهرة كبيرة جدا ونوعية وشاملة.
كانت إنطلاقة المسيرة بعد نهاية الكلمات مهيبة وكانت الشعارات الموجهة فيها هي نفس الشعارات التي ريددها الثوار على أرض الشارع في عموم أرجاء إيران، وسار المتظاهرون بنظام وتهذيب ورقي احترموا حق الشارع حق الغير وأوضحوا بحق مدى شرعيتهم ورقي رسالتهم ولم يعطلوا شكلا من أشكال الحياة ولم يخالفوا القوانين.
  رسالة ورد حازم على الخذلان 
رسالة ورد صلب على مؤامرات نظام الملالي وقوى المهادنة والإسترضاء المساندة والتي لا يتعارض موقفها بإسناد ملالي إيران مع شعاراتها الفكرية وقوانينها فحسب بل يتعارض أيضا مع توجهاتها المتعلقة بقضية الحرب الأوكرانية حيث يقف ملالي إيران ضد أوكرانيا، ونقف ويقف الكثيرين حائرين في تفسير تلك المواقف .. هل المقصود من تحشيد الطاقات لدعم أوكرانيا في هذه الحرب أم المقصود إدامة الحرب في كلا الإتجاهين وهلاك أحد الأطراف وبقاء الآخر منهكا هو الهدف المرجو.. لقد كانت رسالة المتظاهرين واضحة مباهرة خاصة في قول السيدة مريم رجوي زعيمة المقاومة الإيرانية إذ قالت ولى زمن المهادنة والإسترضاء ودفع المحفزات للنظام الدكتاتوري المدعي باسم الدين، والقول الصريح والواضح لباقي المتحدثين الذي طالبوا بوضع حرس خامنئي وميلشياته وأجهزته القمعية على قائمة الإرهاب الأوروبية، كما طالبوا بدعم ثورة الشعب الإيراني والإعتراف الرسمي بحقه في الدفاع عن نفسه بوجه حملات الإبادة التي يقوم بها نظام الملالي الطغاة وأجهزتهم القمعية، وقد كان تأكيد الجميع واضح على أنه لا عودة للدكتاتورية الشاهنشاهية التي اقتلعها الشعب الإيراني في ثورة عام 1979 المباركة، وتُعد الإنتفاضات الإيرانية الجارية التي تقودها النساء إمتدادا لها حيث يطالب الشعب بالإطاحة بالدكتاتورية الدينية الشمولية القائمة وتناولت وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية ومنصات التواصل الإجتماعي جميع الشعارات التي رفعها الشعب الإيراني بجميع مكوناته وفي شتى أرجاء إيران ومن هذه الشعارات : (الموت للدكتاتور سواء كان الشاه أو الملالي) و شعار ( من زاهدان إلى طهران إلى كردستان روحي فداء إيران) وفي شعارات مماثلة يذكرون مدن ومناطق أخرى، وفي هذا الشعار رسالة للعالم أجمع أن الشعب الإيراني بكافة أعراقه وطوائفه وفئاته ومكوناته مجتمع على مبدأين أساسين الآن وهما الوحدة وإسقاط النظام وقد كان التضامن الإجتماعي سمة بارزة في الإنتفاضة الجارية منذ خمسة أشهر، ومن سماتها الملفتة للإنتباه أيضا هي أن الشعب لم يطالب السلطة الدكتاتورية الحاكمة بأي مطلب حياتي.  
رسائل إسناد قوية ومباشرة للقوى الحرة في أوروبا 
كانت هذه التظاهرة من أقوى الرسائل الصادرة عن المقاومة الإيرانية سيدة الموقف السياسي المعارض التي لا تريد سلطة وإنما تريد إقامة جمهورية ديمقراطية حقيقية تحترم كافة أشكال الحريات ومنها حرية الممارسة السياسية .. كانت التظاهرة أقوى رسالة مؤيدة ومساندة للتيار الأوروبي الحر الذي يقف إلى جانب الشعب الإيراني وثورته المشروعة، وتأتي هذه الرسالة في وقت أخل الإتحاد الأوروبي بقيمه وبشرعية البرلمان الأوروبي الذي قال كلمته ووضع ميليشيا ما يسمى بـ الحرس الثوري على قائمة الإرهاب الأوروبية، واليوم أولئك الذين رفضوا وضع حرس خامنئي الإرهابي على قائمة الإرهاب الأوروبية يسوقون أنفسهم لعودة ابن الدكتاتور المخلوع دونما أدنى احترام لمشاعر الشعب الإيراني الذي عانى من دكتاتورية أبيه ولا زال هو متمسك بطغيان وموروث أبيه. 
تفاعلات واسعة على منصات التواصل الإجتماعي 
تفاعلات إعلامية كبيرة خاصة على مواقع التواصل الإجتماعي منذ الأمس إلى الآن مع التظاهرة ومع الكلمات التي أُلقيت من المشاركين، ومنضمن هذه التفاعلات تفاعلات عربية مشيدة بثورة فبراير عام 1979 وبثورة عام 2022 الجارية مقرة بحقوق الشعب الإيراني في حقه بالدفاع نفسه ضد ما يواجهه من حملات إبادة وقمع وتعسف، وينظر العرب إلى أن خلاص الشعب الإيراني من الدكتاتورية وثقافتها وتبعاتها هو خلاصا لهم واستقرار لبلدانهم.
ختاما تاريخ وتراث وموروث وعقائد الشعوب مقدسة واجبة الإحترام وخطوط يجب الوقوف عندها بوقار .. ومن ينتهك ذلك كمن لا يصنع لذاته وقارا.
الإنسان أغلى ما نملك..
د.محمد الموسوي / كاتب عراقي