د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):
حوار الساعة السادسة والعشرون ؛ حوارٌ خارج الأُطر
من الكتاب من يكتب بعقيدة ومسؤولية تجاه قضايا أمته أو أمتيه بالإضافة إلى إلتزامه بما يؤمن به من فكر وقيم ورؤية، ولا يفرض الكاتب رأياً أو رؤيةً، وإنما يوصل رسائل قد تكون نابعة من فهم عميق ودقيق ينبه ويساند بها الأهل، ويؤكد للخصوم على الجانب الآخر بأن من واجبه التصدي لهم بالمرصاد على الدوام حتى لو كانوا على سرير الإحتضار فرؤوس الأفاعي تلدغ بعد قطعها، ولا يكتب البعض من فراغ بل من متراكمات سجلات التجارب الحية التي لا حصر لها ولا عد؛ خاصة وأن بعض الكتاب هم من أهل مكة؛ وأهل مكة أدرى بشعابها .. أو كما يقول المثل العراقي الدارج (الميت ميتي وأعرفه شلون مشعول صفحة) أي أعرف كما هي سوداء محترقة صفحته.
حوار النظام الإيراني مع الدول العربية حوارٌ أُحاديُ الحصادِ خارج الزمنِ والأُطر يستند إلى حاجة تحولت إلى ضرورة كما قالها أمير حسين عبداللهيان وزير خارجية الملالي في مؤتمر بغداد2 الذي عُقد في الأردن بحضور عربي وفرنسي؛ والفارق هنا كبير بين من يحاور مضطرا للإفلات من كوارثه وتفادي سقوطه واندثاره المحتمل الذي لن ينتهي بالسقط فحسب بل سيتحول إلى محاكمات للنظام الإيراني وبطانته على عدة مستويات، فما يعيشه ملالي الرذيلة من رعب حتى في منامهم يدفعهم إلى التناسي المؤقت لصواريخهم ومسيراتهم وميليشياتهم الإرهابية وقدرتهم الهائلة على الدمار للسعي بعدها إلى استجدء الحوار وتقديم بعض المنح هنا وهناك، والتي تُدفع بعضها كأتاوة من خزينة عراق الملالي وليس (العراق العربي)! أتاوات تُدفع ومساعي متسارعة حثيثة من أجل إنقاذ الملالي من كارثة السقوط على حد فهم الملالي والبعض الذين لا يعلمون أنهم لا يسعون لإنقاذ الملالي من السقوط بل يحاولون إحياء محتضرٍ بفراش الموت في واقع الأمر.
وعلى صعيد آخر يخضع حوار الساعة السادسة والعشرين هذا لمسار معادلات دولية جديدة، قائمٌ على حاجة إيرانية ملحة وآمال عربية إقليمية معقودة في إطار (المُحتملات) ودور الصين هنا ليس أكثر من ضابط إيقاع يسعى إلى تمهيد الأرضية اللازمة لبناء وجود استراتيجي يعبئ الفراغات في المنطقة ليحل محل اللاعب الأمريكي الذي أفل نجمه في الشرق الأوسط والمنطقة العربية بسبب سياساته غير المسؤولة وسعيه على الدوام إلى إبقاء الأنظمة الدكتاتورية الإيرانية كشرطي قبيح في المنطقة كما كان الحال في زمن الشاه الدكتاتور العنصري، وكما هو الحال في عهد دكتاتورية الملالي خلفاء الشاه العنصريين الذين يدعون الخلافة الإلهية ولا إسلام غير إسلامهم، ومن لا يتبعهم نهجاً وفكراً وعقيدة ليس من الإسلام في شيء.
بالنظر إلى المعادلات الدولية نجد أن هناك توافقاً صينيا كبيرا؛ لا بل حاجة صينية ملحة في إيجاد صيغة قبول لحوار عربي مع ملالي الشوم فمصالح الصين في المنطقة قد تعدت مشتريات النفط حيث باتت لها رواسي اقتصادية وسياسية عملاقة في إيران والعراق ودول المنطقة؛ تلك التي بُنيت وجاءت على حساب السياسات الأمريكية المتهرأة وليس من صالح الصين أن تعود الولايات المتحدة الأمريكية إلى سابق عهدها بالمنطقة بل إن ما يخدم الصين هو تصالح بين إيران والعرب حتى وإن كان بالمستوى التكتيكي الآني إذ ترى الصين بأن دور شرطي المنطقة المناط للشاه الطاغوت المخلوع في حينه وللملالي الطغاة من بعده قد عفى عليه الزمن ولم يعد مناسبا في ظل تنامي مشروع التعددية القطبية التي تقود إليه الصين وروسيا وحلفائهما، ومن وجهة نظرنا المتواضعة أن هذا الحوار لن يتخطى البعد التكتيكي وذلك لغياب حسن النوايا من طرف الملالي فـ (الميت ميتي وأعرفه شلون مشعول صفحة).
استدلالات تاريخية
وضعت الحرب الإيرانية العراقية أوزارها قبل ثلاثة عقود ونصف تقريبا، وكان العراق قد جنح للسلم في تلك الحرب ودعى إليه لكن ملالي العدوان بطبعهم العدواني الذي لا يعرف سوى لغة القوة لم يجنحوا للسلم بل أُكرِهوا عليه ووقع على وقف إطلاق النار في حينها كمن يتجرع السم كما قالها كبيرهم الذي علمهم السحر، جنحوا للسلم مكرهين بعدما دمروا دولتين كبيرتين بالمنطقة، ورغم إتفاقية وقف إطلاق النار المبرمة بين حكومتي الدولتين لم يتوقف عدوان الملالي على العراق منذ ذلك التاريخ وإلى ساعة كتابة هذا المقال، ولم تتوقف ماكينتهم الإعلامية عن العداء والتحقير للعراقيين خاصة؛ وأؤكد للعراقيين دون تحديد، ولعموم العرب حيث ومن يراجع تلك الحقبة إلى اليوم بدقة ومهنية يجد ذلك جليا واضحا، أما إحتلال العراق عام 2003 والذي ساهم فيه الملالي الذين يدعون العداء لأمريكا والصهاينة فقد كان أكبر عيد بالنسبة لهم عيد هدم البوابة الشرقية للأمة العربية التي تصدعت بعد السماح بتصدع العراق؛ كان يوم استوجب التضحيات من قبل لملالي إلى حد الإنبطاح الشديد وما يليه، وبقية الأحداث بعد عام 2003 يعرفها الجميع ولا داعي للخوض فيها.
كان القذافي شريك الملالي وحليفهم وشاركوه في كثير الجرائم كالحرب على العراق، كما سخروه كواجهة لهم في حادثة تفجير الطائرة الأمريكية في لوكربي على سبيل المثثال، وبلغ حجم علاقتهم مع القذافي إلى حد تستر الملالي على جريمة القذافي بحق السيد موسى الصدر رحمة الله عليه حياً أو ميتاً ولا مانع للملالي من التضحية بمليون صدر وليس واحد فهذا ديدنهم وما دأبوا عليه من خسة من قديم الزمان، ولكن عندما وقع القذافي وانهار نظامه كانوا من أوائل من تنصل عنه فالأمر لا مصلحة لهم فيه بقدر مصلحتهم في سوريا والعراق واليمن فمن العراق واليمن وسوريا يستهدفون جميع البلدان العربية ويُخضِعونها لبرامجهم وأهدافهم التي من أجلها دمروا العراق وسوريا واليمن ولبنان دمارا كليا ويسعون إلى دمار دول الخليج على المدى البعيد بشتى السبل أمنياً واجتماعياً وإقتصادياً عن طريق أراضي العراق واليمن وسوريا ومياه الخليج ولازال ذلك قائما.
يتفاوض الملالي مع الأردن ولازالت حدوده مهددة من المناطق التي تسيطر عليها ميليشيات الملالي في سوريا، ولازالت عمليات الإختراقات الحدودية وتهريب السلاح والمخدرات قائمة حتى اليوم علما بأنه ليس لدى الأردن ما يستدعي هذا العداء الشديد سوى أنها في يوم من الأيام قامت بواجبها القومي في إسنادها للعراق في حماية البوابة الشرقية للأمة العربية أي المساهمة في حماية نفسها من مخاطر الملالي التوسعية التي باتت واضحة جدا حتى لمن لا علاقة لهم بالسياسة بعد عام 2003.
يتفاوض الملالي مع المملكة العربية السعودية منذ فترة واليوم برعاية صينية ولم يقدم الملالي أي بادرة حسن نية من جانبهم فيما يتعلق بملف اليمن، وخطفوا معارضا عربيا من مواطني إيران يحمل الجنسية السويدية وحكموا عليه بالإعدام في توقيت المفاوضات مع المملكة العربية السعودية ولم يراعوا أي نوع من القيم أو الإعتبارات في هذا الجانب، والأدهى من هذا كله أن الملالي خرجوا في وسائلهم الإعلامية الرسمية عن نصوص الإتفاق الرسمي مع السعودية وقد فضحهم النص الإنكليزي.
في العراق جميع أجنحة السلطة البائسة حتى تلك المحسوبة على أميركا سنة وشيعة وأكراد تسبح في سرب إيران ومع ذلك لم يسلم أحدا منهم حتى مصطفى الكاظمي الذي كلما طاب لهم لكموه بصاروخ أو بلعبة مسيرة من تلك التي يلهون بها عبثا وإجراما، وعلى العرب أن يعوا بأنهم لا يتحاورون مع دولة مؤسساتية رصينة وإنما مع مراكز قوى أقرب إلى عصابات سلطوية تحكم دولة أكبر من حجمها وتستخدم الدين والسلاح والنفوذ والمخدرات من أجل تحقيق غاياتها وواجباتها خاصة بعدما أصبح العراق أُلعوبة في أيديهم.
ختاما : إن نظرة الملالي غير السوية بل وغير الأخلاقية للعرب لن تدفعهم في يوم من الأيام إلى الصدق معهم في حوار أو إتفاق خاصة في ظل تعاظم القدرة التسليحية للملالي؛ وسيبقى الصراع الصفوي العثماني قائماً؛ إذ يرى الملالي أن العرب السُنة جزءاً لا يتجزأ عن الفلك العثماني؛ أما العرب الشيعة ومن لف لفهم فليسوا سوى أدوات لا أكثر بيد الملالي وولي فقيههم.
تبقى الثورة الإيرانية الجارية العامل الوحيد لتركيع الملالي وإذلالهم؛ وإن تم التعجيل بنجاحها فذاك أفضل خيارات العرب وضمان مستقبلهم ومستقبل المنطقة برمتها، أما الرأي العام العربي فسيبقى السوط الذي سيقوم بإقامة الحد على ملالي الخطيئة في إيران حتى يندثروا ويكونوا مجرد ذكرى قبيحة يذكرها التاريخ و(الميت ميتي وأعرفه شلون مشعول صفحة).
د.محمد الموسوي / كاتب عراقي