عبدالرزاق الزرزور يكتب لـ(اليوم الثامن):

كيف ومتى تحولت إيران من الإسلام الوسطي المعتدل إلى التطرف المذهبي

باريس

لا يستهدف هذا المقال النيل من جماعة عقائدية أو عرقية بأمتنا الإسلامية المجيدة بقدر ما هو تناول لحقائق تاريخية الهدف منها التنوير والإصلاح قدر الإمكان خاصة عندما يتعلق الأمر بمواجهة نظام الملالي المُدعي بالإسلام والذي لا يمت له بِصلةٍ ولا لأي مذهب من مذاهب الإسلام العقائدية، فمن يشايع ويتبع آل بيت النبوة الأطهار فلابد أن يتبع بالضرورة سنة النبي المصطفى الكريم صلوات الله عليه وآله وصحبه وسلم، ومن يكن من أتباع هذه السنة الكريمة فلابد أن يكون محباً مخلصاً لله ودينه ورسوله وآل بيت رسوله، وبالتالي فإن الفهم الحقيقي للتاريخ والإعتدال بعيداً عن الإدعاء والإنفعال سيقودنا إلى سواء السبيل على صراط العزيز الحميد دون مزايدات لأحدنا على الآخر ونعتنا لبعض البعض بمسميات ليست من أخلاق الإسلام في شيئ، فالغلو والتطرف قد يذهبان بالمرء خارج دائرة الصواب وبعيداً عن صلب العقيدة الإسلامية السمحاء التي تصون الإنسان مهما كانت انتماءاته لطالما لم يضر بغيره أو بالقيم والأعراف.

لا يمكن اعتبار ما ينتهجه نظام الملالي الحاكم في إيران نهجا دينياً أو مذهبياً وذلك لأن ما ينتهجه ليس مجرد خطاب سياسي فقير يتمسح بالدين وبسيرة آل البيت من أجل التمكن من السلطة، وبالتالي فإن هذا النظام لم ينضبط حتى في إطار المذهب الذي ينتمي إليه ويدعو ويدعي به وإنما شوهه وشوه الكثير من القيم الإسلامية المحمدية الجميلة وحارب الحقيقيين من الشيعة وهذا الفارق بينه وبين الإسلاميين الإيرانيين الآخرين المعارضين للملالي إذ يستغل الملالي الإسلام من أجل السلطة والسلطان أما معارضيهم الإسلاميين الحقيقيين فيبعدون الإسلام عن محرقة السلطة لصيانته وحمايته من التشويه الحاصل الآن، ويستخدم الملالي الإكراه في الدعوة إلى سبيل الله بينما يستخدمون معارضيهم الإسلاميين قاعدة لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي صادقين خاضعين لقيم  وأخلاق الإسلام المحمدي ويأتي نهجهم هذا بعد قيامهم بقراءات إسلامية تاريخية صاغوا من خلالها خطابهم السياسي، بينما لا يملك نظام ولاية الفقيه في نهجه بدعاً وخطاباً انفعالياً متطرفاً بالنتيجة شوه الدين وأخرج الناس عن دائرة الصواب العقائدي بسبب طغيانهم وإجرامهم بإسم الدين، وهذا هو الفارق بين نظام الملالي ومنظمة مجاهدي خلق المعارضة له، وما سبب العداء الشديد الذي يكنه نظام ولاية الفقيه لمجاهدي خلق إلا لشعوره بالتضاؤل أمامهم لرشد خطابهم الديني والسياسي معا، وهنا وجب تداول الحقائق التالية مع قراءنا الأجلاء من باب التنوير ...

شكلت إيران أو بلاد فارس منذ أن دخلها المسلمون فاتحين مجالاً حيوياً بالعالم الإسلامي وقطراً حضارياً وجغرافياً يربط أوصال الأمة ببعضها، وقد قامت فيها دول إسلامية محلية كالطاهريين والسامانيين والصفاريين، وصحيح أنها خضعت فترة للحكم البويهي الشيعي إلا أن النسيج الاجتماعي قد حافظ على إسلامه السني، وقد مر على إيران السلاجقة والخوارزميين قبل أن يجتاحها المغول ويقيموا دولهم فيها، كما أن فارس قد احتوت على مراكز حضارية إسلامية كبلاد الري وطوس ونيسابور، وقد كانت هذه المدن من أفضل حواضر الشرق الإسلامي ازدهاراً  بعلماء سنة بارزين وأئمة كبار مثل الإمام مسلم، وابن ماجة، والحاكم النيسابوري، وأبي داود وغيرهم من أصحاب كتب السنة والحديث، وهؤلاء كلهم من العرق الفارسي ومن أتباع المذهب السني.

وبالتالي فإن فارس كانت بلاد سنية مسلمة كباقي ديار المسلمين قبل أن تقوم فيها الدولة الصفوية سنة 907ه/1501م، تلك الدولة التي أحدثت فارقاً في تاريخ البلاد، ومؤسسها إسماعيل الصفوي الذي ندب نفسه لمحاربة السنة المسلمون واستئصالهم وإحلال المذهب الشيعي الإثنى عشري في إيران، فتأسست دولة الصفويين الشيعية على عصبية قد تخلو حتى من مبدأ التشيع ذاته، وتزعم هذه المتعصب الدموي الشاه إسماعيل الذي أصبح على رأس غلاة الشيعة ولا تخلو عقيدة ما من المغالين؛ والمغالاة هلاك، واستغلت هذه الدولة التمزق السياسي لبلاد الفارس لتقوم بإزاحة الإمارات التركمانية الموزعة في أنحاء الهضبة الإيرانية، وتقيم حكماً سياسياً سلطوياً باسم الإسلام والشيعة كما هو حال السلطة التي يقيمها نظام ولاية الفقيه اليوم تطرفاً وتشدداً وحقداً ومغالاةً ومغالطاتٍ وتشويه.

وبدأ إسماعيل الصفوي سياساته في تشييع البلاد على طريقته، فنشر عقيدته ومذهبه هو بحد السيف، وأفنى أعداداً هائلة تقدر بعشرات ومئات الآلاف من أهل السنة، وقد عُرِف الشاه إسماعيل بقسوته البالغة وشدة بطشه على معارضيه حتى قيل أنه قتل والدته، وكانت أساليبه وحشية إجرامية، واستطاع بذلك العمل تحويل إيران السنية إلى بلاد شيعية صفوية المذهب، وعلى المستوى الاجتماعي والسياسي فقد صارت فارس دولة نشاز عن محيطها الإسلامي في آسيا الوسطى، وتحول فيها أهل السنة من الأكثرية الغالبة إلى أقلية قليلة مضطهدة، ورحم الله الدكتور علي شريعتي الذي حاول تنوير أمة الإسلام بوجود تيارين من التشيع تيار صفوي سلطوي وتيار إسلامي حقيقي ولأن ما يدعو إليه علي شريعتي لم يرق للملالي فحاربوه ومات ودُفِن غريباً في سورية.

ولم تقتصر جرائم الصفوي إسماعيل على إيران وحدها بل امتدت إلى خارجها فهاجم العراق واحتل بغداد وفتك بأهلها السنة، كما أنه حارب الدولة العثمانية وأربك جهادها في أوروبا، وتآمر مع القوى الصليبية الأوروبية ضد العثمانيين، بالإضافة إلى أنه توسع إلى جهة خراسان، وقاتل الأوزبك السنة في منطقة ما وراء النهر وأنهك هذه البلاد، مما جعل منها لقمة سائغة أمام الروس الذي تقدموا فيها بعد ذلك، وتوفي إسماعيل الصفوي عام 930ه، وسار خلفاؤه الصفويين على منهاجه الإجرامي في حق إيران وفارس.

وحتى بعد سقوط دولة الصفويين عام 1148ه/1736م، فقد ورثت الدولة القاجارية نزعة عدائية للمسلمين السنة مدعية باسم الشيعة، وانبعثت الصفوية من جديد عندما سلب الملالي ثورة فبراير 1979 واعتلوا السلطة خلفاء للدكتاتورية الشاهنشاهية البغيضة برداء الدين والمذهب والأمر أبعد ما يكون عن الدين والمذهب بل هو أقرب إلى النزعة السلطوية الصفوية وما الدين إلا وسيلة لبلوغ الغاية.

 وقامت جمهورية إيران الخمينية في طريقها نحو استعادة الدولة الصفوية وتراودها أحلاماً إمبراطورية تسعى إلى تحقيقها من خلال استعمار الدول العربية والتمدد منها واحدة تلو الأخرى وتمضي هذه الجمهورية في نشر الحقد والجهل والكراهية والعنف والإرهاب والمخدرات والرذيلة أينما حلت، فاليوم تحتل العراق وسوريا ولبنان واليمن وغدا ستحتل أو تُهلك غيرهم، وتقوم عملياً بالغزو الداخلي للعالم الإسلامي، ولما لا وقد عادت هذه الجمهورية الخمينية إلى صفويتها التاريخية بالتآمر على لبنان ثم أفغانستان والتدخل في العراق واليمن وسوريا، كما أنها لم تتوانى في اعتراض الثورات والحركات التحررية، وجديدها اليوم التطبيع بنعومة الأفاعي ومفاجآتها.؛ والله المُنجي.

عبدالرزاق الزرزور/ كاتب ومحامي وناشط حقوقي سوري

المصادر:

محمد سهيل طقوش، تاريخ الدولة الصفوية

حسين مؤنس، أطلس تاريخ الإسلام.