د. محمد الموسوي يكتب لـ(اليوم الثامن):
دولةٌ أم عصابةٌ لقتل الفتيات في إيران
ما حدث لمحامي عائلة الفتاة الكردية الشهيدة المغدورة جينا أميني (مهسا أميني) كان بدوافع سياسية وأمنية بحتة من قبل هذا النظام البوليسي، وقد أثار ذاكرتنا حول تاريخ وجرائم هذا النظام المتسلط على إيران؛ حيث أوقفته سلطات أمن نظام الملالي في مطار طهران فور وصوله قادماً من أوروبا وصادرت منه الجائزة الممنوحة لعائلة الفقيدة المغدورة جينا أميني بعد أن منعت أهلها من السفر وصادرت جوازات سفرهم ولا نعلم شيئاً عن مصيرهم الآن.
مقتل جينا أميني سياسياً وعنصريا
بعد تداول معلومات حول حياتها وأهلها واعتقالها ومقتلها نجد أن مقتل الفتاة الكردية جينا أميني كان سياسياً وعنصريا؛ فالفتاة قد تعرضت لضرب مبرح فور التعرف على بياناتها الشخصية خاصة وأن ابن عمها ويدعى عرفان هو أحد عناصر حزب الكومله الكردستاني الإيراني وكذلك يتهم الملالي عائلتها بالعلاقة مع قوى المعارضة الكردية الإيرانية، ويبدو أن حجم ما تعرضت له من ضربٍ وتنكيل كان كبيرا إلى حد تفتيت طحالها وإتلاف جسدها، وهنا يمكن القول أن كسر جمجمة الفتاة وتفتيت طحالها ودخولها في حالة غيبوبة كان نتيجة ضرب الفتاة بحقد وعنف عمداً، وبهذا الشأن اعترف في حينها محمد باقر بختيار وهو أحد كبار قادة حرس الملالي الذين عاصروا الحرب العراقية الإيرانية قائلاً: بحسب المعلومات الواردة من نتائج فحوصات الطب الشرعي دخلت أميني في غيبوبة وتوفيت بسبب ضربات على الجمجمة مضيفاً أنه تم استئصال الطحال التالف من جسد الفتاة بعد نقلها إلى مستشفى كسرى بسبب نزيف داخلي لتتحسن حالتها لكنها دخلت في حالة غيبوبة بسبب إصابات في جمجمتها، ويؤكد صحة هذا الاعتراف رفض نظام الملالي إطلاع عائلتها على صور الأشعة الخاصة والتقارير الخاصة بها كما رفضوا أن يرى أهلها جسدها، ولم يروا سوى ساقها وقد بدت كدماتٍ عليها، ولم يكتفوا بقتل ابنتهم فقاموا بتهديدهم هم بالقتل أيضاً، وقد نجى والد الفتاة المغدورة جينا أميني من محاولة اغتيال.
عصابات تحكم إيران
بالنظر إلى السجل الإجرامي التاريخي لنظام الملالي منذ استيلاء كبيرهم على السلطة وتوريثهم إياها كان هذا السجل غارقا وأيدي الملالي بدماء الشعب الإيراني وأبناءه الثائرين لا يمكن اعتبار مراكز القوى الإجرامية الحاكمة في إيران سوى مجموعة من العصابات البربرية التي لا تعرف قيم الدولة ولا فروض وثوابت المواطنة الصالحة، وكم فتك هذا النظام بفتيات قاصرات في الشوارع والميادين والسجون، وفي الانتفاضة الوطنية الإيرانية 2022 قتل نظام الملالي مئات الأطفال والنساء واعتقل الآلاف من النساء والشباب مستفيدا من سياسة المهادنة والاسترضاء القائمة بينه وبين الغرب.
لم تكتفي هذه العصابات بما ألحقته من دمار اجتماعي واقتصادي وسياسي داخل إيران بل قامت بنشر فكرها الرجعي في لبنان والبحرين ومن ثم العراق بعد التعاون مع الغرب على احتلاله وتسليط فصائل من عملائها على حكم العراق وسلب مقدراتها وضرب هويته التاريخية وبناء نظام سياسي رجعي موالي لنظام ولاية الفقيه.
قتل واغتصاب الفتيات والنساء وتسميم الطلبة
لم تكن الفتاة المغدورة جينا أميني أول ضحية من ضحايا عصابات سلطة حكم الملالي ولن تكون الأخيرة من نوعها ولا من نوعٍ آخر فقد سبقها إلى ذات المصير عشرات الآلاف من الفتيات والنساء المناضلات في صفوف منظمة مجاهدي خلق وباقي المعارضة الوطنية سواء من قُتِلوا في الشوارع أو السجون، وقد لحق بركبها عشرات مئات النساء والفتيات برصاص قوى النظام القمعية وبهجماته بالغازات السامة على مدارس الفتيات تحديداً، ومن حالات الموت المرعبة التي تعرضت لها النساء قتل الفتيات القاصرات وهن بحكم الأطفال من أمثال نيكا شاكرمي وسارينا إسماعيل وغيرهن، وقد تعرضت الفتاة نيكا شاكرمي للاختطاف من ميادين الانتفاضة والاغتصاب ومن ثم التمثيل بجثتها وإلقائها بالشارع، كما وُجِدت إحدى الشابات ملقاةً على قارعة الطريق حليقة الرأس مهشمة الوجه مكسرة اليدين، وكثيرة هي جرائم نظام الملالي بحق النساء وكانت آخرها جريمة قتل الفتاة الإيرانية آرميتا كراوند على يد شرطة الأخلاق بتهمة سوء الحجاب في جريمة مشابهة لما وقع بحق جينا أميني من قبل، أما سلطات الملالي فقد قالوا بأن الفتاة آرميتا كراوند قد دخلت في حالة إغماء بمحطة القطار نتيجة هبوط الضغوط لعدم تناول الطعام علما بأن الفتاة رياضية مدربة وحاصلة على جوائز ولا يمكن لها أن تهمل نظامها الغذائي، وقد سقطت الفتاة على حافة رصيف في محطة المترو بعد أن هاجمتها شرطة الأخلاق ومن ثم سقطت مغشي عليها ونُقِلت إلى المستشفى في حالة غيبوبة إثر كسر بالجمجمة حتى توفيت وتم قمع وتهديد أهلها وذويها وحرموا من اللقاء بابنتهم قبل إعلان وفاتها كما منعوا أهلها من دفنها في مسقط رأسها، وتم التعتيم على قتلها، وقد واجهت الفتاة المغدورة آرميتا كراوند التعليمات الموجهة إليها من عناصر شرطة الأخلاق بالرفض ورأت فيها تقييد لحريتها ومساساً بكرامتها السبب الذي دفع عناصر النظام إلى التعامل معها بوحشية، وقد أُعلِن عن وفاة الفتاة بعد 28 يوماً من الموت الدماغي صاحب ذلك تصريحات متناقضة ومرتبكة في أوساط النظام .
أما حالات الاغتصاب فقد أصبحت إحدى وسائل التعذيب في السجون الإيرانية بالإضافة إلى قتل السجناء بحقن المواد المخدرة مثل مادة الكريستال القاتلة التي يحقنون بها السجين أو السجينة قبل خروجهم من السجن ثم يفارق الحياة بعد يوم أو يومين من خروجه من السجن وكان مقتل الشابة يلدا آقا فضلي خير دليلٍ على ذلك، وتوزيع المخدرات وبيعها على السجناء أمرٌ شائع في سجون الملالي، وقد نشرت منظمة العفو الدولية تقريراً مفصلا بهذا الشأن جاء فيه أن نظام الملالي يستخدم الاغتصاب كأداة قمع ممنهجة لتركيع الفتيات والنساء والرجال وتهديدهم ونزع اعترافات منهم بالإكراه، واستند تقرير منظمة العفو الدولية إلى تحقيقات مع ناجين من سجن الملالي في الكثير من المحافظات الإيرانية.
المراقب لنهج نظام الملالي يجد أن هذا النظام يمارس نهجاً عدائياً واضحاً ضد النساء ويسعى إلى قمعهن وإخضاعهن بقوة القمع والقتل والتعذيب والاغتصاب المساس بالأعراض، ويأتي ذلك نتيجة مخاوف النظام من السقوط والزوال بعد أن رأى تعاظم الموقف النسوي الرافض له في إيران وكذلك رفض دول وشعوب منطقة الشرق الأوسط للنظام ومساعيه الإجرامية، وقد كانت انتفاضة 2022 الوطنية خير دليل على نهضة المرأة في إيران وكفاحها من أجل نيل حريتها.
عاش نضال المرأة في كل مكان..
د.محمد الموسوي / كاتب عراقي