د. محمود عبد العال فراج يكتب لـ(اليوم الثامن):
دبي أيقونة العالم
في عام 2001 أثناء وجودي في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، وإقامتي فيها لفترة تجاوزت الخمس سنوات، كان لقاء مسائي مثَّل علامة فارقة في حياتي العملية والأسرية، عندما علمت بأنني سأكون من ضمن طاقم الشركة في مدينة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة.
في تلك الفترة ارتبطت دبي في مخيلة العديد ممن أعرفهم بمهرجان دبي للتسوق وعوالم الإبهار، الذي كان يقدمه ذلك الحدث العالمي الكبير، كانت الرحلة من مدينة جدة إلى دبي عبر طيران الإمارات، لتكون تلك أول رحلة على هذا الطيران الأفخم والأبهى في العالم، لتتكامل الصورة المذهلة عن هذه المدينة قبل أن تطأ قدمي أراضيها.
زاد من رونق تلك الصورة البهيَّة وصولي مطار دبي الدولي الذي استقبلني للمرة الأولى بفخامته، كان ذلك المبنى رقم 1 حاليًّا، والذي كان يشع من جميع جوانبه، وتمتلئ ردهاته وقاعاته بالكثير من الأعراق والجنسيات التي أراها في مكان واحد للمرة الأولى، ثم اكتملت أناقة المشهد بالدخول اليسير من قبل منفذ الدخول من خلال تعبئة فورم مبسط للمقيمين في دول الخليج، ودفع رسوم دخول كانت في ذلك الحين مبلغ مائة درهم إماراتي، لتتكون صورة ذهنية عن هذه المدينة قبل أن أعبر بوابات مطارها للخروج إلى طرقاتها، التي شكلت فيما بعد قصة عشق لا تنتهي.
ما بين العام 2002 والعام 2017 مضت 15 سنة، أقمت على أرض تلك المدينة وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، شاهدًا على مسيرة عظيمة من النجاحات والإبهار في كل يوم، مدينة لا تنام، وإن غبت عنها لمدة بسيطة تعود لتستقبلك بعوالم ومظاهر أكثر إبهارًا وإشراقًا، مدينة عالمية زاهية مشرقة خاطفة للقلوب قبل الأعين.
خططت للعديد من القصص مستهلًّا بها حياة عملية ومهنية وأسرية، لم تكتمل تلك المسيرة، إذ غادرتها في منتصف العام 2017، وعدت إليها مرة أخرى في العام 2023، لتدهشني الحبيبة دبي مرات عديدة من تقنيات قُدمت لخدمة المجتمع، وعدت لأرى مجمعات سكنية ضخمة ومشروعات تنموية ضخمة هائلة، ومشروعات خدمية عملاقة، وشهدت في أثناء وجودي الحالي أكبر أزمة طبيعية يمكن أن تشهدها مدينة في العالم؛ منخفض الهدير الماطر، وكمية الأمطار التي إن شهدتها مدينة ما لغرقت مرات ومرات، ولكننا شهدنا جميعًا كيف تغلبت الإمارة الفتية الناهضة على هذه الأزمة بكل يسر وسهولة، لتثبت للعالم بأسره المعالجات الجديدة والحديثة لإدارة الأزمات لتكون نموذجًا يدرس عالميًّا.
مدينة وبكل المقاييس هي واحة العالم بل أيقونة العالم، يمكن أن نعدد لماذا على سبيل المثال، هل يمكن لأنها وجهة سياحية رائعة تجمع بين التاريخ والثقافة والتطور الحديث، أم لأنها واحدة من أكثر مدن العالم تنوعًا سكانيًّا، إذ تضم سكانًا من مختلف الثقافات والجنسيات، أم لأنها مدينة تمتاز بتطورها السريع ومعالمها المعمارية الرائعة والمرافق الحديثة، أم لأنها مدينة ارتبط فيها مفهوم جديد لتقديم الخدمات بابتسامة عريضة، ملؤها الحب والامتنان، مدينة قدمت مفاهيم جديدة في خدمة العملاء والتميز في تقديم الخدمات، مدينة استقطبت مشاهير العالم من فنانين ومثقفين وعلماء ورياضيين، لأنهم وجدوا فيها ملاذًا آمنا لأسرهم واستثماراتهم وأموالهم، مدينة استطاعت من خلال التسهيلات الحياتية وأسلوب الحياة وجودتها، التي قلما توجد في مدينة ما، مدينة آمنة، يأمن فيها الإنسان على نفسه وعلى ماله وأسرته، مدينة يمكن لأي شخص أن يتجول فيها وقتما يشاء، من دون أن يشعر بقلق من أي شيء يمكن أن يعكر صفو حياته، لذلك كانت وما زالت وستظل واحة الدنيا وأيقونة العالم.
إن الأهمية الاقتصادية والثقافية والسياحية لدبي مكنها من أن تحتل مكانة متقدمة، وفي المراتب الأولى لكل المؤشرات التي تصدر من مؤسسات الأعمال العالمية، ومن المنظمات الإقليمية والدولية كمؤشر على سهولة الأعمال أو مؤشر التنافسية أو مؤشر جودة الحياة، ما استدعى العديد من الشركات العالمية الكبرى والمشاريع الضخمة المبتكرة لأن تكون حاضرةً فيها، وأن تمارس أعمالها انطلاقًا من أراضيها، ما يجعل دبي -عن جدارة- مركزًا رائدًا للأعمال والتجارة على مستوى العالم، كما أنها استطاعت أن تستقطب السائحين من أنحاء الدنيا كلها، بفضل معالمها الفريدة والمنشآت السياحية الفاخرة، مثل برج خليفة الشهير وجزيرة النخلة المذهلة، وتميز مستوى خدماتها منذ لحظة ملامسة السائح أو الزائر أرض المطار، إلى حين مغادرته.
بالإضافة إلى ذلك تعد دبي مركزًا للتنوع الثقافي وتجاوز الحدود الجغرافية، يكفي وجود المتاحف التي تميزت بها المدينة من الناحية التاريخية ومن الناحية التقنية المعاصرة، كمتحف المستقبل الذي يعد أعجوبة معمارية وفنية أذهلت العالم، كما أن التنوع البشري في دبي التي تضم مختلف الجنسيات والثقافات، جعلها وجهة عالمية متنوعة ومتعددة الثقافات، إذ جمعت بين التاريخ والحداثة، فمحبو الروائع التاريخية يمكنهم ملاحظة تميز المدينة بالتراث الإماراتي الذي هو جزء أساسي وأصيل من ثقافة دبي، إذ يمكن للزوار اكتشاف العادات والتقاليد التقليدية في العديد من المعالم والفعاليات التي تعكس تراث الإمارات.
يعد سوق الذهب وسوق البهارات وسوق السمك من الأماكن الشهيرة في دبي، التي تعكس التقاليد التجارية القديمة للإمارات، بالإضافة إلى ذلك، يقدم متحف دبي الفرصة للاطلاع على الحضارة القديمة في المنطقة والتفاعل مع تجارب حية للصناعات الحرفية التقليدية.
كما يمكن لزوار المدينة استكشاف التراث الإماراتي الأصيل في دبي من خلال زيارة المتاحف والقرى التراثية والأماكن التجارية المشهورة، وبالإضافة إلى كل هذه المعالم التاريخية لم تمنع من وجود العديد من الروح الحديثة والمعاصرة والتقنية، وعبر هذه الروح الثنائية التي جمعت بين التاريخ والحداثة، بين الأصالة والمعاصرة، استطاعت دبي أن تقدم نفسها على أنها المدينة والإمارة الحديثة التي ما زالت تتنفس تاريخ مؤسسيها وتاريخها القديم، فدبي -بالإضافة إلى كل المعالم التاريخية التي تشهدها وتلاحظها العين الزائرة- ضمت بين جوانبها العديد من المعالم الأيقونية، كبرج خليفة وجزر النخلة والعديد من المعالم الأخرى، التي تمثل روح دبي الحديثة والعالمية، بالإضافة إلى وجود العديد من المدن الحرة التي استطاعت أن تقدم نموذجًا اقتصاديًّا فريدًا من نوعه كالمنطقة الحرة في مطار دبي، فضلا عن المنطقة الحرة في ميناء جبل علي، الذي يعد ميناء ومدينة اقتصادية صناعية عالمية، ويعكس التطور والنمو الاقتصادي لدبي.
لم تكتف تلك المدينة الساحرة بالتطور الاقتصادي فحسب، لكنها جعلت من النشاطات والفعاليات والمعالم السياحية جزءًا لا يتجزأ من إرث هذه لمدينة الساهرة، فلا يكاد يمر يوم من دون وجود فعالية سياحية مبهرة، يكفي في هذا الصدد أن نذكر مهرجانها العالمي للتسوق والقرية العالمية ومهرجان صيف دبي، بالإضافة إلى العديد من الفعاليات السياحية الأخرى التي وفرتها المدينة من خلال توفير بيئة سياحية جاذبة من فنادق عالمية ومستوى خدمات متميز فيها، ووسائل تنقل مريحة وآمنة كمترو دبي، الذي يعد نموذجًا في الحداثة والربط بين المناطق المختلفة.
وسائل النقل العام في دبي تعد واحدة من أبرز المزايا التي تجعلها وجهة مثالية للسفر، فدبي فيها نظام مواصلات متكامل يشمل الحافلات والمترو، بالإضافة إلى وجود شبكة صغيرة محدودة للترام، بالإضافة إلى أسطول هائل من عربات الأجرة، مثل أوبر وكريم، بالإضافة إلى التاكسي التقليدي، فوسائل النقل العام في دبي تتمتع بالفاعلية والسرعة، كما تتسم بالنظافة والراحة.
تعد شبكة مترو دبي من أحدث وسائل النقل العام في المدينة، إذ توفر خطوطًا متعددة تغطي معظم مناطق الإمارة، لا سيما المناطق السياحية والتجارية.
في خضم كل ذلك يجب ألا نغفل شواطئ دبي الجميلة وممارسة الأنشطة المائية، مثل ركوب الأمواج والغطس، بالإضافة إلى تنظيم العديد من الفعاليات الرياضية، مثل كأس دبي العالمي للخيول، فالمدينة معروفة بحبها واحتضانها للعديد من الفعاليات الرياضية المتميزة، كركوب الجمال أو الخيول، والاستمتاع بالجو الساحر والمناظر الطبيعية الخلابة، واستطاعت العديد من المنشآت السياحية أن تحول الصحراء إلى كنز سياحي، وإقامة العديد من الفعاليات فيها.
لم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل تخطى إلى العروض المقدمة من شبكات الطيران، وعلى رأسها طيران الإمارات وفلاي دبي، والمنشآت الفندقية والسياحية، التي جعلت دبي وجهة سياحية بامتياز خلال العطلة الصيفية، على الرغم من ارتفاع درجات الحرارة في أشهر الصيف، لكن دبي احتلت مركزًا متقدمًا في وجهات السائحين خلال صيف هذا العام 2024م، فلم يأتِ ذلك صدفة أو من نسج خيال كاتب، وإنما من خلال جهد وفكر استراتيجي لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، من خلال رؤية ثاقبة واستراتيجية حكيمة تُرجمت إلى واقع معيش.
شكلت السياحة أحد أبرز المعالم المهمة لاقتصاد دبي، ولم يكتف صانع القرار فيها بذلك فحسب، لكنه جعل من اقتصاد الإمارة نموذجًا يُحتذى في التنوع والتفرد بقطاعات أخرى شكلت حجر الأساس لها، كقطاع التجارة المحلية والعالمية، فدبي تعد مركزًا استراتيجيًّا لحركة التجارة، بحكم موقعها الجغرافي، ولوجود ميناء جبل علي، وميناء راشد، بالإضافة إلى مطار دبي الدولي، ومطار آل مكتوم العالمي، إذ تعد المدينة من المراكز العالمية للطيران، فيمكن للمسافرين الوصول إليها من معظم مدن العالم، بفضل هذين المطارين العالميين، إذ يعد مطار دبي الدولي واحدًا من أكثر المطارات ازدحامًا وحركةً للركاب في العالم، وهو مجهز بمرافق حديثة، كما أن المدينة تعد مركزًا ماليًّا عالميًّا بامتياز، فاستطعنا أن نرى وجودًا متميزًا للعديد من المصارف العالمية، وشركات الاستثمار الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى وجود العديد من الشركات الاستشارية المالية الدولية.
لا يجب أن ننسى ما قدمه القطاع العقاري في الإمارة ومشاريعها العقارية الضخمة التي فاقت شهرتها الآفاق، هذا التنوع في القطاعات الاقتصادية قدم تمثيلًا قويًّا للقطاعات الاقتصادية المختلفة التي تلعب دورًا مهمًّا في تعزيز التنمية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، إذ يحظى كل قطاع بأهميته الخاصة، ويعمل على خلق فرص العمل وتحقيق النمو الاقتصادي للمدينة بشكل مستدام، ويعد اقتصادها القوي والمتنوع وما قدمه من حلول علمية وعملية من أهم الأسباب التي جعلت منها واحة وأيقونة العالم.