محمد أبوالفضل يكتب:

المنظومة الإخوانية تنتظر نشاطا في تركيا

من يراقب أداء الإعلام التركي المباشر أو المدار من جانب عناصر تنتمي إلى جماعة الإخوان وكان من أهم أدوات استهداف النظام المصري، يشعر بأن الخطوات التي اتبعتها أنقرة لكبح جماحه بعد إعادة العلاقات الدبلوماسية تسير بطريقة عقيمة أو يتم التعمد في وضع العثرات أمامها، وقد تكون تركيا أوقفت برامج ورحّلت إعلاميين، لكنها لم تعالج الموقف بصورة قاطعة، وهو ما ترك غصة في حلق القاهرة.

ولا تزال مصر لديها شكوكها الخفية في نوايا أنقرة وتتعامل بحذر معها، وهناك شواهد تؤكد أن العلاقات تسير بوتيرة خجولة، ولم تدخل إلى المربع الذي كان من المتوقع لها، ولم تتقدم العلاقات بين البلدين كثيرا عقب زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى القاهرة، وتلاها عدم قيام الرئيس عبدالفتاح السيسي بزيارة إلى أنقرة أعلن عنها أكثر من مرة، كما أن القضايا الإقليمية الخلافية لم تشهد تقدما ملموسا، لكنها حافظت على حالة من الهدوء، ولم يتم تجاوزها والدخول في مرحلة من البرود أو يتم تطوير العلاقات، كذلك لم تتراجع وتظهر عليها بوادر من الصخب السلبي.

سكتت غالبية قنوات الإخوان ومنصاتهم في تركيا، لكن ثمة بقايا تلعب في ما يسمى بالمنطقة الرمادية أو الدافئة بين البلدين، وهي منطقة مبهمة ليس لها لون محدد أو درجة حرارة ثابتة، وتخوّل العزف على أوتار قاتمة وتقوم بالتصعيد النسبي تارة، وتلتزم بالهدوء تارة أخرى، وفي كل الأحوال هي انعكاس لما يمكن وصفه بوجود ملفات عالقة وعدم تنقية الأجواء تماما.

تركيا يمكن أن تظهر رعاية أكبر للإخوان، وتتخلّى عمّا بدا كأنه تقليص لتواجد عناصرها وإعلامها، إذا وجدت أن الحاجة إليها أكبر من إهمالها، أو أنها ستحقق لها عوائد سياسية للضغط على جهات كانت في خصومة معها

تشير بعض الظواهر والاستنتاجات السياسية إلى أن القاهرة لم تصل إلى المستوى الذي يجعلها تثق كليا بالتوجهات التركية، والتي تغلب عليها البراغماتية والتقلب والمراوغة، وعدم استبعاد حدوث مفاجآت، ولذلك لم تفلح الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين خلال الفترة الماضية في تجاوز الجمود الذي تراكم عبر عشر سنوات، وقد تكون كسرت حدّته، إلا أنها لم تفض إلى تسوية الكثير من القضايا الحيوية، وتركت ذيولا تجعلها عرضة للعودة إلى الواجهة، ومن بينها الإخوان وأنصارهم.

يتعامل الإعلام التركي الناطق بالعربية بحياد مع القاهرة، أشبه بالإهمال، وهو التعامل نفسه الذي يظهره الإعلام المصري مع أنقرة، ويؤدي إلى النتيجة ذاتها، ويكاد المتابعون لا يجدون ما يوحي بالاهتمام من الجانبين بما يجري على الضفتين من تطورات مهمة، ما يشي باستمرار الفجوة بينهما وعدم القدرة على التوصل إلى وسائل ناجعة لعلاجها طوال الفترة الماضية.

هذا ما يجعل العناصر الإخوانية تلتقط هذا الخيط وتسعى إلى شده نحو جهة تصعيد تمنحها حضورا وأهمية، وتعيد إليها الأمل لاسترداد مكانتها في السياسة الخارجية التركية، والتي أضفت بريقا على تصورات منظومة الإخوان الإعلامية، وأوصلتها إلى مستوى ناطقة باسم أنقرة، وتراجع هذا الاعتقاد من دون أن يختفي، فالروح الإخوانية موجودة في بعض وسائل الإعلام القريبة من تركيا، كما هي في القريبة من قطر أو التابعة لها، ما يعني عدم استبعاد حدوث نشاط إخواني في المدى المنظور.

طوت أنقرة المرحلة الحادة من العداء مع بعض الدول التي كان الإخوان من أسباب التوتر معها، ونجحت في إعادة الدفء إلى العلاقات السياسية مع مصر والسعودية والإمارات، وفي طريقها إلى تحسينها مع النظام السوري، لكنها لم تعلن تخليها صراحة عن المكون الإسلامي فيها، خاصة أن الحصيلة التي وصلت إليها أنقرة بعد تخفيف الاعتماد على هذا المكون ومشتملاته الأمنية والسياسية ليست على المستوى المطلوب حتى الآن، الأمر الذي يضاعف من الشكوك في العودة إليه، فإذا تساوت النتيجة أو لم تحقق الأغراض المرجوة منها، فإن فرص العودة إلى الاستثمار تصبح واردة.

ما يفرض على تركيا التمهل في التخلي عن هذا المكون أن جناحا قويا في حزب العدالة والتنمية الحاكم يتمسك بتوجهاته الأيديولوجية، ويرى عدم التفريط في جماعة الإخوان سياسيا وإعلاميا وعقائديا، لأنها أيضا من بين عناصر التوازن المهمة مع التوجه العلماني الذي يزداد اتساعا على الساحة التركية.

أنقرة أخفقت عمليا في أن تكون رقما في الغرب، ولم تفلح أيضا في أن تجد لنفسها مكانا في الشرق أو تتحول إلى ركيزة ورافعة للعالم الإسلامي، ما يجعلها تتمسك بعدم التفريط في ما تملكه من أوراق تستحوذ عليها

ناهيك عن حالة “التوهان” أو التخبط الذي يخيم على السياسة الخارجية التركية، والتي ربما تعيدها إلى ما قبل عقدين عندما كان حزب العدالة والتنمية يشق الصفوف نحو التقدم، وغيره من الأحزاب لا تجد لها مكانة في الوسط الغربي، فقرر تبني الميل إلى العالم الإسلامي، على أمل أن تصبح تركيا قائدة بدلا من أن تبقى تابعة.

أخفقت أنقرة عمليا في أن تكون رقما في الغرب، ولم تفلح أيضا في أن تجد لنفسها مكانا في الشرق أو تتحول إلى ركيزة ورافعة للعالم الإسلامي، ما يجعلها تتمسك بعدم التفريط في ما تملكه من أوراق تستحوذ عليها، فإذا كانت المسافة لا تزال بعيدة مع الغرب، فمن الممكن أن يعاد الاعتبار إليها مع الشرق، ما يعني التمسك ضمنيا بجماعة الإخوان، وعدم المجازفة بالتخلي عنها تحسبا من الحاجة إليها، أو المتاجرة بها في وقت تواجه فيه حركة حماس الفلسطينية الإخوانية استنفارا إقليميا ضدها ورفضا عالميا لطريقها وتقويضا إسرائيليا لمسيرتها.

تفسر هذه المعطيات ما يمكن أن يلاحظه المرء من تردد أو تلكؤ في المعالجة الإعلامية الإيجابية، فقد يخفت النفس الإخواني المباشر في بعض وسائل الإعلام التركية، لكنه يظهر أحيانا في بعض المحكات بما يؤكد أنه قائم ومستمر ويمارس دوره انتظارا لعودة قد تأتي في وقت قريب، مع إدخال معالجة سياسية لها تتحاشى الطريقة السابقة إلى حين استشفاف الأمور وفي أيّ اتجاه سوف تسير.

هناك مؤشرات عدة تقول إن تركيا يمكن أن تظهر رعاية أكبر للإخوان، وتتخلّى عمّا بدا كأنه تقليص لتواجد عناصرها وإعلامها، إذا وجدت أن الحاجة إليها أكبر من إهمالها، أو أنها ستحقق لها عوائد سياسية للضغط على جهات كانت في خصومة معها، واستمرار هذه المراوحة يفسر البطء الذي يخيم على علاقاتها مع القاهرة.

تنتظر المنظومة الإعلامية الإخوانية العودة لدواع سياسية لا يتعلق جزء كبير منها بقناعات بمشروعها وإمكانية استرداده في الدول التي سقط فيها، لكن لأن تركيا تعلم بأن ثمة حاجة إليه لمواجهة أيّ مشروعات وطنية بديلة في المنطقة، وأن بعض الدول الأوروبية تؤمن بأن ورقة الإخوان أهون من ورقتي داعش والقاعدة، ومع أن هذه الرؤية قد تغيرت نسبيا مع اكتشاف العلاقة بين جذورهما والإخوان وأن الجماعة هي الأصل وهما الفرع، غير أن بعض الأصوات تعتقد أن شر الإخوان أخفّ ضررا من شرور داعش والقاعدة، وهو رهان لم يبرح العقل السياسي الحاكم في تركيا.