د. اشجان الفضلي تكتب لـ(اليوم الثامن):

الجزرة السحرية: هل تتحكم في مصيرنا؟

منذ القدم، حكاياتنا حافلة بأماني تتلاشى كالسراب، قصة الحمار الذي يلهث خلف جزرة متدلية هي مثل كلاسيكي على تلك الأماني التي تبتعد كلما اقتربنا منها. هل سبق لك أن شعرت بأنك تلاحق هدفًا يتحرك باستمرار، مهما بذلت من جهد؟ هذا الشعور، الذي يولد الإحباط والخيبة، هو ما يدفعنا للتأمل في طبيعة الأماني وأثرها على حياتنا. دعونا نستكشف معًا هذا الموضوع، مسترشدين بحكاية الحمار والجزر، ونتعرف على كيفية تجنب الوقوع في شرك الأوهام وتحقيق أهدافنا بواقعية وتفاؤل. 
تذكرت اليوم درسًا رائعًا في مادة اللغة العربية في صفوف الابتدائية كان الدرس عن الحمار والجزرة وكيف أن صاحب الحمار أراد الوصول الى مكان ما ولكن الحمار ظل ساكنًا لا يريد التحرك ثم فكر الرجل بالقيام بحيلة من خلال وضع عصاء تتدلى منها جزرة ووضعها أمام عيني الحمار وظل الحمار يمشي إلى أن وصل صاحبه إلى وجهته ثم قدم الرجل الجزرة مكافئة للحمار. 
هذا الدرس خطر لي بسبب كثير من الأمثلة الحياتية التي نمر بها فكثيرًا ما نصادف أشخاص يقدمون لنا وعودًا كاذبة بين الوالدين والأطفال فكثيرًا ما تستخدم الأم الإغراءات  بالذهاب إلى الملاهي للتسلية أو لزيارة الأقرباء المحبوبين للطفل بهدف أنها تريده أن يستحم أو أن يكمل واجباته الدراسية.
عزيزتي الأم  فتأثير إخلاف الوعود على نفسيه الطفل يعود عليه بالسلب والمشاكل النفسية، وعدم الثقة بمن حوله فقد قال الله عز وجل في كتابه،  ﴿ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ﴾ كما أن الوفاء بالوعد هو ركن من أركان الإيمان.
وكذلك أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاثٌ: إذا حَدَّث كَذب، وإذا وَعدَ أخلَف، وإذا اؤْتُمِنِ خَانَ). متفقٌ عليه.
مثال أخر في العلاقات العاطفية حيث نجد الكثير من الحب والاهتمام في بداية العلاقة إلى أن يصل أحدهم إلى مرحلة التعلق فيبدأ الأخر في الاختفاء التدريجي ثم الاختفاء النهائي وعندما يبدأ العتاب تبدأ الوعود الكاذبة؛ ليظل الشخص الهارب يعدك بالعودة قريبًا وتحقيق كل تلك الأحلام التي حلمتما بها معا؛ لتصبح أنت الشخص الذي يرضي غروره ونفسيته الغير متوازنة وتصبح أسيرًا للوهم مثل الحمار الذي يركض خلف الجزرة. 
عرفنا أغنيات كثيرة تتحدث عن الانتظار ولوعته عندما تجلس الحبيبة في حالة لهفة وترقّب لأن يأتي الحبيب في ميعاده. من أشهر الأغنيات التي صورت حالة الانتظار تلك «أنا في انتظارك» التي غنتها أم كلثوم لبيرم التونسى وزكريا أحمد، وكذلك أغنية «أنا باستنّاك» التي شدت بها نجاة لمرسى جميل عزيز. واختتمت أم كلثوم أغنية الأطلال  بقولها :
ربما تجمعُنا أقدارُنا ذاتَ يومٍ
بعدَما عَز اللقاء فإذا أنكر خِلٌ خلَهُ
وتلاقينا لقاء الغرباء ومضى كلٌ الى غايتهِ
لا تقل شئنا فَإِنَّ الحظَ شاء .
ودعوني أشارككم مثالًا أخر عندما تعمل مع احدهم يظل يعدك أنه عندما يكبر المشروع الصغير سيكون لك مصدرًا افضل للدخل سوف تكون بأجر شهري محترم أو ربما تكون شريكًا في الأرباح بنسبة معينة فتكون أنت مثل الحمار تلاحق هدفك وهو يحقق أحلامه من خلال جهدك وعلاقاتك وافكارك وهذه تحصل كثير في المشاريع المبتدئة ثم يصل الشخص الذي رفع سقف تطلعاته وأعطى الثقة الكاملة إلى مرحلة من اليأس وفقدان الثقة والشعور بالملل وتدهور العلاقات وربما يفكر بالرحيل من منطقته بسبب شعورة بالخيانة والاستغلال.
وأحيانا يقوم الشخص نفسه بوضع هدف غير قابل للقياس ويعيش حالة من الوهم مع نفسه مثل سندباد البحري يبحث عن الكنز, تحتاج الأهداف إلى الكثير من الصبر والتفاؤل وتذكر أشخاص ناجحون مثل قصة إيلون ماسك بأن الفشل ليس عائقًا أمام النجاح، بل هو فرصة للتعلم والتطور. فبعد أن فشل في العديد من المشاريع، استمر ماسك في البحث عن حلول مبتكرة للمشكلات التي تواجه البشرية. وها هو اليوم يعتبر من أبرز رواد الأعمال في العالم. فكما يقول ماسك نفسه: "الفشل هو خيار، ولكن الاستسلام ليس خيارًا."
والأمثلة كثير على الوعود الكاذبة وأصبح أسلوب لأصحاب السلطة حيث يجعلون الشعوب تلهث خلف الجزرة الوهمية لربما في قصة الدرس أعطى صاحب الحمار الجزرة عندما وصل لوجهته ولكن أصحاب السلطة لا يشبعون رغبات الشعوب المغلوب على أمرها وتظل جزرتهم تحسن الخدمات في العام القادم، انخفاض سعر الصرف، توفر الوقود، التسويات وغيرها.
سأخبركم بمعلومة أيضا صدر التعبير عن مصطلح الحمار والجزرة في أوروبا عندما كانوا أهلها يروضون البغال والحمير باستخدام العصا والجزرة؛ بحيث يتم مسك الجزرة بيد ووضعها أمام الحمار والعصا بيدٍ أخرى، فسيسير الحمار إن طاوع الجزرة وإن عصى فله العصا. وذكرت مصادر أخرى أن لهذا المصطلح أصل آخر وذلك بربط الجزرة على عصا وترك هذه الجزرة تتدلى أمام الحمار ليستمر الحمار في السير ظاناً أنه سيصل للجزرة. يُذكر أن هذا المصطلح قد شاع استخدامه سياسياً، ويُعتبر اصطلاحاً مسيئاً لمن يُستخدم ضده، إذ تُشير العصا إلى العقوبات والجزرة إلى المساعدات. تذكرني هذه السياسة بتكرر مشاهد الوعود الكاذبة في سياقات عديدة، لا سيما في المجال السياسي. ففي قضية الجنوب، على سبيل المثال، كثيراً ما تُطرح وعود بتحسين الخدمات، وتوفير فرص العمل، وحل القضايا العالقة. هذه الوعود، التي تشبه الجزرة التي يتبعها الحمار، تُستخدم كأداة لجذب التأييد الشعبي وتحقيق مصالح سياسية ضيقة. ورغم مرور السنوات، تبقى هذه الوعود حبيسة الأدراج، وتستمر معاناة السكان في التفاقم. يشبه الأمر لعبة قديمة، حيث يتم تقديم الجزرة الوهمية للمواطنين لكي يستمروا في السعي وراء سراب الأمل، دون أن يحققوا أي تقدم ملموس في حياتهم..
الوعود الكاذبة كالسراب الذي يبتعد كلما اقتربنا منه لتجنب الوقوع في شرك الأوهام، يجب علينا أن نكون واقعيين في تقييم قدراتنا، وأن نضع أهدافًا قابلة للتحقيق . كما يجب علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا ومع الآخرين، وأن نلتزم بوعودنا ومن خلال ذلك، يمكننا بناء علاقات قوية مبنية على الثقة والاحترام المتبادل، وتحقيق السعادة والنجاح في حياتنا.