مصطفى منيغ يكتب لـ(اليوم الثامن):

الكل في سوريا تعكسه مرايا

سوريا تشق طريقها رغم مضايقات بعض الأنظمة بزعامة مصر السيسي وليس الشعب المصري ، طبعا وجب التوضيح ما دام هناك حاكم وضع نفسه على قمة السلطة بواسطة انقلاب غادر بمساعدة إسرائيل ، حاكم يعتقد أن وراءه شعب وهو واهم جملة وتفصيلاً ، وشعب ليس أمامه رئيس بل متصرِّف عن قوة ذاتها مغلوب على أمرها مطوقة باختراقات صهيونية تجعل منها طائعة على مضض (تظهر ما لا تخفي لغاية وصول توقيت معلوم لا شك في ذلك)  تحميه ، لذا هناك فرق بين موقف ما يعتقد أنه الرأس المدبرة كلمته تشريع يجب نقلها قرارا للتنفيذ ، وموقف آخر للشعب المصري الذي يعتبر نفسه منطلقاً و امتداداً للأمة العربية الكائنة الوجود بين المحيط والخليج ، على لغة واحدة ودين واحد وهدف أوحد التخلص مما هي "فيه" ، والجميع أعلم بكنه "فيه" ذاك ، القابع بلا حراك منذ عقود ، عكس مَن حوله يتجدَّد إلا هو ،متجمِّد يظل في مكانه ، إلى أن وصل حال نفس الأمة لدرجات من اليأس لا تُحسد عليها . ومتى جاء بصيص الأمل لإنجاح  ثورة وصلت لفرض التغيير بدخولها دمشق في هدوء وسلام ، وتلك علامة بارزة أن العقل السوري وصل من النضج ما يستطيع به تحرير دولته  تدريجياً بكامل جغرافيتها المعترف بها دوليا ، من سلاسل القهر والحرمان ، المكبلة بها منذ ظهور عائلة الأسد على مسرح الاستبداد ليركب فوق رؤوس أهالي الشام قاطبة ، ويصنع بسوريا ما هو صانع بها كل فاقد ضمير بلا عقيدة ولا ملة ، هدفه فقط العيش في بحبوحة غير عابئ بحقوق إنسانية ولا مواثيق دولية ولا حدود لا يمكن تجاوزها .

... تحاول مصر إقحام ما جعلتها ثوابت السياسة الخارجية اتجاه سوريا لتبرير موقفها غير الموفَّق أصلاً من القضية برمتها ، علما أن الثوابت تلك جعل منها السيسي مجرد نظريات مُتداولة عبر لقاءات دعائية فلكلوريا مظهرها شيء وجوهرها آخر معاكس ، لدر الكحول على عيون مختارة لتكون مع عمشها لا ترى إلاَّ بقدر ما تسمع لتصفق وينتهي المهرجان كما بدا ولا أحد من المشاركين فيه قد فهم أمرا ، نظريات جعلها السيسي  تتحرك على ضوئها الأجهزة الدبلوماسية المصرية لإيهام المختصين بانشغال مصر الرسمية بما يدور في سوريا عن كثب ، وأنها الأقرب للانخراط في تدبير ما يقرِّب وجهات النظر بين جهات وحركات وطوائف لها نفس الهدف بأخذ زمام الأمور طوع أرادتها ولو بأساليب متباينة ، تلك قاعدة المعروف عن مصر الرسمية الانطلاق معها المؤدية إلى تغطية الواضح بثقب غربال ممزَّقِ الجلد حلزوني الشكل الخشبي المرقع ببقايا أسلاك غطَّاها الصدأ ، كما جرى ولا زال يجري مع القضية الفلسطينية التي ما زادها التدخل المصري على طول عقود إلا ما وصلت إلية من نفق مسدود يهدِّد وجودها ، لهذا وانطلاقا للتجربة ومتابعة تلك السياسة الخارجية المصرية وبخاصة المعنية منها بقضايا العالم العربي ، من المفروض أن تواجه بحزم هذه المرة ، ليس بمبادلة الثرثرة وتأليف دراسات عن أفكار منقولة من "هناك وهنا و قل هذا إنتاجنا" تجاوزتها مضامين وحدة القضايا المطروحة ،  أو انتقاء المفردات لتكوين جمل غير عاكسة للحقائق على الأرض ، المفروض أن تُواجه هذه السياسة الخارجية المصرية ، التي زادها السيسي بتدخلاته المستعجلة وغير المواتية تمييعاُ على تمييع ، بما تستحق من تعرية كفيلة بإظهار تلك العقول المخفية خلفها المنحازة لما يطبع القضايا المصيرية العربية بطابع الفشل الدائم والانتهاء لما حصده هذا العالم من خيبة كبيرة جعلت التفكُّك ينخر كيانه ، وإنها سياسة يُشمُّ منها رائحة الصهاينة الذين وجدوا في النظام المصري الحالي مفتاح مزلاج باب ليلجوا داخل أجزاء من الديار العربية انجازا لدولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل.

... من قرارات السيسي منع علم الثورة السورية اعتلاء سطح السفارة السورية بمصر ، ممَّا يؤكد ما سجلناه عن السياسة الخارجية المصرية التي أبعدها السيسي من معالجة الأمور بدبلوماسية لها مرتكزات لا يمكن تجاوزها ، منها احترام إرادات  دول داخل مقراتها التمثيلية الكائنة أينما كانت عبر العالم ، وسوريا إحدى هذه الدول أكان قائد نظامها الحالي من الثوار أو سواه مختار من طرف الشعب السوري ، لكن ما العمل مع المتخيل نفسه حاكم ضيعة كل ما فيها ملكية خاصة به يفعل بها ما يشاء ولا حول ولا قوى إلا بالله العلي القدير . وليعلم السيسي أن تصرفاته اتجاه سوريا بعد الأسد تعكسها مرآة صوب سجل يدوِّن خطاياه المتكررة منذ الثامن من ديسمبر في حق شعب سوري عربي مسلم حرر نفسه من دكتاتور لا يستحق ما يقوم به السيسي من أجل تبييض صورته الحالكة السواد  .