د. ابراهيم ابراش يكتب:

بعد انتهاء دورة المجلس الوطني: تفاؤل حذر وتخوفات مشروعة

لأن منظمة التحرير العنوان الوحيد المتبقي للشعب الفلسطيني بعد تعثر الوصول للدولة وبعد فشل كل محاولات خلق بديل عن المنظمة فقد أيدنا بل ودافعنا عن عقد دورة المجلس الوطني الأخيرة بالرغم من مقاطعة قوى وأحزاب فاعلة وشخصيات وطنية، وعبرنا عن رأينا في المطلوب من المجلس الوطني، على أمل أن يصحح المجلس الوطني المسار أو يعطي أملا بذلك، دون أن ينتابنا وهم بإمكانية عودة المنظمة إلى ما كانت عليه في عصرها الذهبي في الستينيات والسبعينيات.

العديد من الملاحظات والانتقادات يمكن تسجيلها على الدورة الثالثة والعشرين للمجلس سواء من حيث تدبير النصاب العددي أو كيفية اختيار الأشخاص في مؤسستي اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي والأسس التي تم اعتمادها في اختيارهم، أو نسبة تمثيل قطاع غزة والشتات واللاجئين في هاتين المؤسستين الأمر الذي يضعف من الصفة التمثيلية الشاملة للمنظمة، أيضا التباس موقف الرئيس من موضوعي التسوية السياسية والمصالحة الوطنية وخصوصا الاختلاف بين خطاب افتتاح الدورة وخطاب نهاية الدورة . بالرغم من ذلك فقد أوجدت المخرجات النصية لهذه الدورة حالة من التفاؤل الحذر وأسست لإمكانية مراجعة استراتيجية من خلال: المطالبة بإعادة النظر بالاعتراف بإسرائيل، نهاية المرحلة الانتقالية التي نص عليها اتفاق أوسلو، المطالبة بالعودة لبيان الاستقلال لعام 1988، التأكيد على حق العودة والحق بالمقاومة، الدعوة لتنفيذ مقررات المجلس المركزي في دورتيه الأخيرتين، المطالبة برفع الحصار عن غزة، رفض صفقة العصر، بالإضافة إلى ضخ دماء جديدة في المؤسسات القيادية.

هذه المخرجات ردت الاعتبار نسبيا لمنظمة التحرير وجددت شرعيتها وحققت ما يريده الرئيس أبو مازن بحيث يمكن القول بأنها دورة الرئيس أبو مازن بكل معنى الكلمة، ولكن ماذا بعد ذلك؟ القرارات والتوصيات لوحدها لا تعني حدوث تحول استراتيجي، المحك العملي للحكم على التغيير يأتي من التنفيذ الفعلي لهذه القرارات أو تحويل المخرجات النصية إلى سلوكيات عملية.

إن استكمال وتأكيد شرعية المنظمة كممثل شرعي ووحيد يتطلب، بالإضافة إلى تنفيذ ما سبق، استيعابها لكل القوى السياسية وخصوصا حركتي حماس والجهاد، وإن كان التخوف سابقا من أن يؤدي دخول الحركتين للمنظمة وهذه الأخيرة ضعيفة ومهمشة لهيمنة حماس على المنظمة، فإن استنهاض المنظمة لنفسها يجعلها أكثر قوة لاستيعاب قوى جديدة، ونتمنى أن تدعو القيادة وبأسرع وقت لدورة جديدة على أساس مخرجات اللجنة التحضيرية في مؤتمر بيروت، في المقابل على حركة حماس عدم الاستمرار بالمكابرة من خلال استمرار مراهنتها على تشكيل بديل أو التشكيك في شرعية المنظمة، فقرارات المجلس الوطني وبيانه الختامي يلبيان كثيرا من مطالب حماس ويتوافقا مع رؤيتها السياسية، أما تنفيذ هذه القرارات فيحتاج إلى جهود الجميع .

إن صفقة العصر التي تُنفَذ فعليا على الأرض قامت على الأمر الواقع الذي صنعته إسرائيل في الضفة والقدس من استيطان وتهويد وضم، وعلى أساس واقع الانقسام الفلسطيني ووجود حكومتين وسلطتين وعنوانين للفلسطينيين، وإن استمرت حالة الانقسام فإن ترامب وصفقته وأية تسوية قادمة لن يكونوا أكثر حرصا على المصلحة والوحدة الوطنية من الفلسطينيين. فكيف ننتظر تسوية سياسية تمنحنا دولة مستقلة في الضفة وغزة والفلسطينيون أنفسهم منقسمون إلى كيانين جغرافيين وسلطتين وحكومتين، بل هناك من يشتغل على دولة في غزة فقط؟

د. إبراهيم أبراش

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر غزة