د. ابراهيم ابراش يكتب:

تصدع المعسكر الغربي بعد انهيار الشرقي

إن كان انهيار المعسكر الاشتراكي رسميا بداية التسعينيات من القرن الماضي دشن لحقبة جديدة أو لنظام دولي جديد أنهى النظام الدولي أو العالمي الذي وضعت أسسه اتفاقية يالطا في فبراير 1945، فإن التطورات داخل المعسكر الغربي وعلاقة هذا الأخير بالإدارة الأميركية بزعامة دونالد ترامب تؤسس لنظام دولي جديد يتجاوز ويتعارض مع جديد "النظام الدولي الجديد" السابق.

وقبل الحديث عن ملامح ومؤشرات النظام الدولي الجديد الذي يسعى الرئيس ترامب لفرضه، نستحضر أهم المتغيرات والتحولات التي كانت وراء الحديث عن النظام الدولي الجديد بعد حقبة الحرب الباردة وانهيار المعسكر الاشتراكي، وهي كما يلي:

  1. الانتقال من الثنائية القطبية إلى الأحادية القطبية بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، مع مؤشرات إلى تعددية قطبية مرنة.
  2.  انهيار المعسكر الاشتراكي وتحوَّل روسيا الاتحادية إلى مجرد دولة كبيرة كغيرها من عديد الدول.
  3. استمرار بل وزيادة قوة المعسكر الغربي – اتحاد أوروبي وحلف أطلسي- بعد انضواء غالبية دول أوروبا الشرقية إليه.
  4. وجود الولايات المتحدة على رأس العالم الغربي/الحر.
  5. الانسجام والتوافق ما بين دول أوروبا وواشنطن وإقرار الأولى بالزعامة الأميركية بدون منازع، وانسجام وتوافق ما بين دول الاتحاد الأوروبي.

كانت المراهنة بأن العالم بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وفي ظل النظام الدولي الجديد سيصبح أكثر أمنا واستقرارا وخصوصا أن انهيار المعسكر الاشتراكي أوجد حالة من نشوة الانتصار – انتصار بدون حرب - والطمأنينة بأن الخطر النووي والعقائدي الاستراتيجي الذي كان يهدد الغرب عسكريا وحضاريا قد زال، وما عزز حالة الطمأنينة تزامن ما سبق مع انتشار ظاهرة العولمة التي بشرت بإزالة الحدود والحواجز والانفتاح بين دول العالم، بل وصل الأمر ليبشر البعض بنهاية زمن الصراعات والتَسيّد الأبدي للغرب بزعامة واشنطن على العالم - نظرية نهاية التاريخ للمفكر الأميركي الياباني الأصل فرانسيس فوكوياما.

عدة أحداث عززت حالة الثقة بالنظام الدولي الجديد وثقة بقدرة واشنطن على قيادته، فخلال العقدين المواليين لانهيار المعسكر الاشتراكي: انضمت عدة دول من أوروبا الشرقية لحلف الأطلسي، حرب الخليج الثانية ونجاح التحالف الغربي في إجبار جيش صدام حسين على الانسحاب من الكويت ولاحقا احتلال العراق 2003، عقد مؤتمر مدريد للسلام 1991 ثم اتفاقية أوسلو 1993 بين الفلسطينيين والإسرائيليين تلتها اتفاقية وادي عربة مع الأردن 1994، التدخل الأطلسي لحسم الحرب في البوسنة والهرسك 1992، الخروج بأقل الخسائر من الأزمة الاقتصادية 2008 مع أسعار متوازنة للنفط، فوضى الربيع العربي ونتائجها الكارثية على العرب والإيجابية للغرب وخصوصا واشنطن، توقيع اتفاقية الملف النووي مع إيران 2015، هذا بالإضافة إلى نشوة الانتصار لدى حلفاء الغرب التقليديين وخصوصا إسرائيل واليابان وكوريا الجنوبية ودول الخليج العربي.

كل شيء أخذ بالتغير داخل الحلف أو المعسكر الغربي وعلى مستوى النظام العالمي بكامله مع فوز الرئيس الأميركي ترامب في انتخابات 2016. لم يكن فوز الرئيس الأميركي ترامب مجرد تحول وانتقال ديمقراطي داخلي من الحزب الديمقراطي للحزب الجمهوري بل كان لسياساته الخارجية تأثيرا على النظام الدولي لا تقل أهمية عن انهيار المعسكر الاشتراكي، وهي تأثيرات مست كل المناحي التي كانت تشكل معالم أو مرتكزات للنظام الدولي الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والعسكرية والإستراتيجية، وقد تزامن هذا مع متغيرات داخل أوروبا نفسها كاتحاد وكدول تشبه حالة التفكك، مع عودة قوية لروسيا الاتحادية إلى المشهد العالمي.

في عهد الرئيس ترامب لم يعد الحديث يدور عن الصراعات التقليدية بين الغرب والشرق أو بين الحلف الأطلسي وروسيا الاتحادية، بل عن صراعات وخلافات داخل المعسكر الغربي أو العالم الحر ذاته، مما ينذر بتحولات جدية على المعسكر أو الحلف الغربي وعلى النظام الدولي ومن أهم هذه المتغيرات أو المؤشرات على التحول:

  1. رفع الرئيس ترامب ومنذ حملته الانتخابية شعار "أميركا أولا".
  2. الخلافات بين إدارة ترامب وأوروبا حول مسألة أو اتفاقية المناخ وانسحاب واشنطن من الاتفاقية.
  3. خلافات أميركية أوروبية حول اتفاقية التجارة الحرة وفرض الرسوم.
  4.  خلافات أميركية أوروبية حول الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي وتشكيك ترامب بجدوى وجود هاتين المؤسستين.
  5. الموقف الأميركي المعادي للقانون الدولي والأمم المتحدة.
  6.  تباين المواقف حول عملية التسوية السياسية في الشرق الأوسط ومن صفقة القرن الأميركية.
  7.  خلافات حول الهجرة واللاجئين.
  8. التصويت البريطاني على الخروج من الاتحاد الاوروبي (بريكسيت) وتهديد دول أخرى بخطوات شبيهة.
  9.  أزمات اقتصادية تضرب أكثر من دولة أوروبية وآخرها اليونان.
  10.  خلافات حول ملف الهجرة وخصوصا ما بين ايطاليا من جهة وألمانيا وفرنسا من جهة أخرى.
  11.  تصاعد الشعوبية لدرجة مطالبة بعض الأقاليم بالانفصال عن الدولة الأم كما هو حال إقليم كاتالونيا في أسبانيا، واسكتلندا مع بريطانيا الخ.
  12. لم تعد أوروبا تنظر لواشنطن كزعيمة للمعسكر الغربي.
  13. خلافات أميركية أوروبية حول اتفاقية الملف النووي الإيراني.
  14. عودة روسيا بقوة إلى المشهد الدولي عسكريا وسياسيا واقتصاديا.

ما يؤكد التحولات في النظام الدولي وفي العلاقات داخل ما يسمى المعسكر الغربي أن القمة القادمة بين الرئيس الاميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في السادس عشر من يونيو الجاري تثير تخوفات حتى عند الدول الأوروبية نفسها التي لم تعد تشعر في عهد ترامب بأن واشنطن زعيمة للعالم الحر ومدافعة عن مصالحه، فخلافات ترامب مع أوروبا تثير خشية أوروبا من أن يكون التفاهم الروسي مع ترامب على حساب مصالح أوروبا، كما أن اللقاء يثير قلق حلفاء آخرين كاليابان وكوريا الجنوبية وحلفاء في الشرق الأوسط. فماذا تبقى من المعسكر أو الحلف الغربي؟