فاروق يوسف يكتب:
إذا لم يسقط النظام العراقي فإنه سيختفي
من وجهة نظر قادة الأحزاب والميليشيات الشيعية الحاكمة في العراق فإن الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها مدن الجنوب ذات الأغلبية الشيعية هي نذير شؤم يشير إلى اقتراب لحظة الهروب العظيم. قد لا تنجح تلك الاحتجاجات السلمية في إسقاط نظام الحكم الذي يتمتع بحماية إيرانية ومباركة أميركية غير أنها بالتأكيد أنهت أسطورة الحكم الشيعي الأبدي.
لم يعد مقنعا بالنسبة للشيعة أن يكون الحاكم شيعيا. لقد ضاعت عراقيتهم ولم تنفعهم شيعيتهم في شيء. لم يربحوا شيئا مقابل ما خسروه.
بعد أن استعملهم قطاع الطرق غطاء لعمليات النهب العظمى التي مارسوها وهم يسرقون ثروات العراق ها هم يطلقون الرصاص على شبابهم المحتجين على انعدام الخدمات وانهيار البنية التحتية والبطالة والفساد الذي ضرب كل مفصل من مفاصل الدولة.
ألحق حكام العراق الخزي التاريخي بشيعته من غير أن يهبوهم شيئا من متاع الدنيا. وهي قسمة ظالمة صار الشباب الذين لم يعاصروا حكم نظام البعث يترحمون بسببها على زمن الرئيس الراحل صدام حسين. على الأقل كانت رؤوس آبائهم مرفوعة في ذلك الزمن كونهم عراقيين.
اليوم يشعر شيعة العراق بالعار لأنهم وبسبب احتماء الحكم بشيعيته كانوا سببا في تفكيك العراق وإبادة جزء من شعبه وتدمير عدد من مدنه ووضع آثار حضاراته بين أيدي الهمج وتبديد ثرواته النفطية وطي صفحته بلدا زراعيا وصناعيا إلى الأبد وتسليمه إلى التصحر والجفاف وتشويه سمعته عالميا كونه البلد الأكثر فسادا في قائمة البلدان الميؤوس من إصلاحها.
تظاهر الشباب في مدن الجنوب العراقي ذات الأغلبية الشيعية تحت لافتات توحي بمحدودية مطالبهم. غير أن الحقيقة تكمن في مكان آخر. فالكهرباء والماء وسواهما من الخدمات الأساسية ليست سوى ذريعة لإطلاق صرخة الاحتجاج الأكبر التي تتعلق بالإهانة التاريخية التي لحقت بالشيعة وهم يرون أنفسهم ممثلين في السلطة من خلال الأميين والجهلة واللصوص وقطاع الطرق والعملاء وأصحاب العمائم المرتجلة والأفاقين والمحتالين وأصحاب السجلات الإجرامية والمعتوهين وأرباب السوابق. لقد فجع شيعة العراق بمَن صار يمثلهم ويحكمهم في الوقت نفسه.
عبر أكثر من اثنتي عشرة سنة من الحكم الشيعي لم يتبوأ رجل شيعي نزيه، كفء، منصف ووطني منصبا رفيعا في الدولة العراقية. أهذا ما تريده إيران؟ أن يظهر شيعة العراق باعتبارهم مجرد لصوص وقطاع طرق وفاسدين وخونة للأمانة وفاقدي الذمة وغير وطنيين، وأولا وأخيرا قتلة.
ثورة العراقيين اليوم ليست ثورة جياع. تلك إهانة مضافة تقربهم من الحيوانات التي إذا ما جاعت ثارت.
هناك أسباب عظيمة للثورة، كان الفقر المقصود واحدا منها. ما دفع بالعراقيين الشيعة إلى الثورة شعورهم بأن الجانب الإنساني فيهم قد أهين بطريقة مدروسة ومخطط لها من قبل نظام آيات الله وهو الراعي للنظام العراقي.
لقد صار واضحا أن حكام العراق قد بددوا ثروة العراق من خلال توزيعها حصصا بين شيعتهم فلم يبق منها شيء للعراقيين، شيعة أم سنة أم أكرادا على حد سواء. وهو ما جعل شيعة العراق على تماس مباشر مع الكذبة التي تقول بأنهم صاروا يحكمون العراق بعد ما يزيد على ألف سنة من الحكم السني. فحين اختطفت الأحزاب الموالية لإيران الحكم لم تعد للعراقي شاء ما يكون مذهبه حصة في الثروة الوطنية.
تفننت تلك الأحزاب في ابتكار ممرات تتسرب من خلالها ثروة العراقيين فلا يصل منها إلى أيديهم شيء. هناك المجاهدون والسجناء السياسيون ولاجئو مخيم رفحة سيء الصيت والمنفيون ممن غادروا العراق قبل أربعين سنة وشملت مكرمات حزب الدعوة كل من انتسب إليه في بداية الغزو من عراقيي الداخل.
في حقيقة ما فعله نوري المالكي وسواه من زعماء الأحزاب الشيعية لم يكن الهدف بناء حياة كريمة للعراقيين ومن ضمنهم الشيعة بل كان ذلك الهدف يكمن في إلحاق أكبر ضرر معنوي ومادي بالعراقيين، الشيعة منهم بشكل خاص. وهو ما سعت إليه إيران ونجحت فيه.
تعرف إيران أن شيعة الداخل العراقي حاربوها بصدق وطني. وهو ما لن تغفره لهم. لذلك عملت ولا تزال تعمل على حماية الفاسدين من الشيعة. عن طريقهم تتمكن من سحق العراقيين إذلالا وتشريدا وتجويعا وإفسادا.
وهو ما صار الشباب المحتجون على يقين منه حين تزامن احتجاجهم على غياب الخدمات وفساد الطبقة الحاكمة مع رفضهم لاستمرار الهيمنة الإيرانية على العراق.
وإذا ما كانت الأحزاب الحاكمة تراهن على الحماية الإيرانية في الحد من تأثير تلك الاحتجاجات فإن تطورات الصراع الأميركي ــ الإيراني تشير إلى أن تلك الحماية لن تستمر طويلا. وهو ما يعني أن نظام الحكم الفاسد في العراق إذا لم تسقطه التظاهرات فإن سحب الغطاء الإيراني سيؤدي إلى اختفائه بعد أن يفر الفاسدون.