هاني مسهور يكتب:

قطر في النار واقتصادات حلفائها تنهار

يواجه النظام القطري واحدة من أكثر المراحل صعوبة بعد أن بدأت الولايات المتحدة بتطبيق الحزمة الأولى من العقوبات على النظام الإيراني بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في مايو 2018م، ما أدى بالعملة الإيرانية إلى تراجع كبير في قيمتها مقابل الدولار الأميركي، في المقابل فإن تراجع العملة التركية المتواصل بلغ مرحلة الخطر، خاصة وأن أزمة الليرة تتعلق بمشكلات سياسية حادة في تركيا، وكذلك على أثر الخلافات الأميركية التركية وتنفيذ عقوبات اقتصادية أثرت بشكل مباشر في الاقتصاد التركي.

علق حمد بن جاسم آل ثاني وزير خارجية قطر السابق رسالة إلى من أسماهم بالشامتين من تدهور الوضع الاقتصادي لتركيا، وكتب على حسابه في تويتر «أنا متأكد أن تركيا ستخرج من هذا الوضع بقوة، قد يأخذ ذلك وقتاً ولكنّ هناك إرادة وعملاً.

قد لا أتفق مع بعض سياسات تركيا، ولكن تركيا المسلمة القريبة لنا لا تستحق منا هذا العداء غير المبرر ولمصلحة من؟»، وتبدو تغريدة حمد بن جاسم تحمل قدراً هائلاً من التعاطف مع الحليف التركي، ولكنها تحمل في شقها العملي عدم قدرة النظام القطري في دعم الاقتصاد التركي، فبعد أن قالت صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية بأن قطر ستدعم البنك المركزي التركي بوديعة تبلغ ملياري دولار إلا أن تحذيرات أميركية أوقفت التحرك القطري بهذا الاتجاه.

في المقابل فإن صحيفة «تقويم» المقربة من الرئيس أردوغان قالت إن قطر التي وقفت تركيا بجانبها خلال المقاطعة «ظلت صامتة» تجاه الأزمة الطاحنة التي تمر بها البلاد عقب تهاوي الاقتصاد إثر الانهيار التاريخي لسعر العملة المحلية (الليرة) أمام الدولار الأميركي.

وعددت الصحيفة أفضال تركيا على قطر وأميرها تميم بن حمد، كما ذكّرت الصحيفة الدوحة بـ«الدعم الإنساني والسياسي» الذي قدمته أنقرة لها خلال المقاطعة العربية، حينما أقامت جسراً جوياً من طائرات الشحن لنقل السلع الغذائية وغيرها.

معاناة قطر تزداد كذلك مع الوضع الراهن في إيران التي تعيش أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وتحاول التعامل مع العقوبات الأميركية التي ركزت في الحزمة الأولى على منع التعامل بالدولار، ونظراً لارتباط الدولار الأميركي بالعملات الأخرى فلقد باتت خيارات الإيرانيين صعبة لتجاوز أو حتى امتصاص العقوبات الأميركية، وهو ما ينعكس بالتأكيد على حلفاء إيران، ومنهم النظام القطري الذي راهن على تركيا وإيران في إجراءات المقاطعة العربية التي دخلت حيز التنفيذ بعد إصرار الدوحة على تمويل الإرهاب ودعم جماعات الإسلام السياسي في العالم العربي.

إصرار النظام القطري على سياسة العناد يتواصل، فعلى رغم كل المؤشرات على أن الأزمات السياسية ستكون السمة الغالبة على كل من أنقرة وطهران خرجت صحيفة الشرق القطرية بعنوان (قطر وتركيا.. مستقبل مشترك) في تأكيد أن القطريين يواصلون الإبحار بعيداً عن انتمائهم العربي، بل إن قطر لا يبدو أنها قادرة على التخلي عن تحالفاتها حتى وهي ترى أن حلفاءها يذهبون إلى انسداد سياسي وتفريخ أزمات متوالية لن تتوقف بسبب منهجية هذه الأنظمة التي ترى فيها قطر أنها خياراتها البديلة عن هويتها العربية.

الرهانات القطرية على محاور غير عربية ليست هي المشكلة في النظام القطري، بل إن المشكلة أن القطريين يعتقدون أنهم بحد ذاتهم محور سياسي منفصل وقادر على لعب دور يتجاوز حجم قطر الجيوسياسي، هذا الاعتلال الذي لطالما دفعت وستدفع قطر ثمنه في خوضها معتركات سياسية واقتصادية هي في الحقيقة في غنى عنها بمجرد التعامل بشيء من الواقعية السياسية التي تفترض أن تكون قطر جزءاً من فضائها العربي.

سياسات الهرب من هذا الواقع عبر افتعال الأزمات، سواء بتسييس الحج، أو غيرها من محاولات النظام القطري، لن تزيد القطريين سوى استنزافاً في صراعات محاور هي أصغر من أن تكون لاعباً مؤثراً فيها، بل يمكن أن تُطحن في هذه الصراعات بين القوى الدولية المتصادمة حول السيطرة والنفوذ.