د. ابراهيم ابراش يكتب:

إلى فصائل المقاومة الفلسطينية المجتمعة في القاهرة

عندما دخلت منظمة التحرير بوابة التسوية السياسية ووقَعَت على اتفاقية أوسلو قبل ربع قرن وصفت حركة حماس وفصائل أخرى هذا الاتفاق بـ "اتفاق أوسلو الخياني" ووصفت كل من وقع أو شارك بأقذع الصفات من منطلق أن منظمة التحرير اعترفت بإسرائيل وهو اعتراف يعني التخلي عن 78% من أرض فلسطين والقبول بدولة فلسطينية على مساحة 22% من أرض فلسطين -الضفة الغربية وقطاع غزة - وأن قيادة منظمة التحرير تخلت عن المقاومة المسلحة، كما أن الاتفاقية لم تنل موافقة الكل الفلسطيني.

ما هو مطروح اليوم على حركة حماس وأحزاب مفاوضات القاهرة أقل بكثير مما قَبِلت به قيادة منظمة التحرير، فما تطرحه إسرائيل والولايات المتحدة في إطار ما تسمى مفاوضات الهدنة: وقف المقاومة حتى وإن تم تسميتها وقف لإطلاق النار أو "هدنة طويلة المدى"، تجاهل قضية القدس واللاجئين، اعتراف بإسرائيل حتى وإن كان ضمنيا أو كأمر واقع، القبول بكيان تحت سلطة حركة حماس يقتصر على قطاع غزة أي على مساحة واحد ونصف بالمائة (1.5%) فقط من مساحة فلسطين، تكريس الانقسام واستكمال مخطط شارون عندما خرج من غزة عام 2005، وكل ذلك يتساوق مع صفقة القرن إن لم يكن جوهرها.

حتى لا يتحول الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة إلى حقل تجارب، وحتى يتم البناء على ما سبق من انجازات ولا نكرر ما سبق من أخطاء، ولأن الشعب وبالرغم من تزعزع ثقته بالأحزاب الفلسطينية ما زال يراهن عليها، وحيث إن المفاوضات ما زالت جارية ولم يتم التوصل إلى أي اتفاق موقع، نتمنى على كل الأحزاب المشاركة في مفاوضات القاهرة أن تأخذ بعين الاعتبار الملاحظات أو التمنيات التالية:

كل ما تعرض له قطاع غزة من حصار وعدوان وإيصال الوضع الإنساني إلى ما هو عليه ليس مصادفة بل مخططا مقصودا لكسر روح المقاومة والصمود في قطاع غزة الساحة الوحيدة المتبقية للمقاومة بعد إحكام إسرائيل سيطرتها على الضفة وحال شعبنا في الشتات، والهدف أن يقبل أهالي غزة بما يُعرَض عليهم من حلول.

الحذر من الوعود الإسرائيلية والاستفادة من تجربة منظمة التحرير في أوسلو، فإسرائيل لا تلتزم بعهودها وستماطل وتناور وتفسر الاتفاقات بما يخدم مصالحها وستحول سلطة حماس من سلطة مقاومة كما تقول حماس إلى سلطة بدون سلطة وبدون سند شعبي.

إن تم تغييب منظمة التحرير فهذا سيؤدي لتشكيل مرجعية جديدة تمثلها الفصائل المشاركة في مفاوضات القاهرة وهو ما يطرح تساؤلات حول مستقبل السلطة الوطنية ومنظمة التحرير.

ما صرحت به تل أبيب وواشنطن من أنهما ماضيتان في المفاوضات والاتفاق مع حركة حماس بوجود منظمة التحرير أو بدونها يؤشر إلى نواياهما بتكريس الانقسام وتصفية الحالة الوطنية.

هناك عملية ممنهجة لحصار وإضعاف السلطة الوطنية في الضفة تمهيدا لتصفيتها تقابلها جهود لرفع الحصار عن غزة وتقوية السلطة القائمة فيها، سلطة حماس الآن ولاحقا نقل ثقل السلطة الوطنية من الضفة إلى غزة.  

كيف يمكن التصديق بأن إسرائيل ومعها الولايات المتحدة المسئولتين عن حصار غزة ودمارها بالعدوان والتحريض أصبحتا حريصتين على إيجاد حلول إنسانية لغزة؟

توقيع حركة حماس لاتفاق هدنة في قطاع غزة دون منظمة التحرير قد يؤدي لفوضى وحرب أهلية في قطاع غزة.

مفهوم إسرائيل للهدنة أن تلتزم فصائل المقاومة بوقف ما تعتبره إسرائيل أعمالا عدوانية ضدها بينما تبقى يد إسرائيل طليقة حيث ستخرق الهدنة وتواصل عدوانها عندما ترى أن أمنها مهدد من الفلسطينيين، وهذا شبيه بما ورد في اتفاقية أوسلو التي أطلقت يد إسرائيل في تحديد الأعمال التي تهدد الأمن العام الإسرائيلي.

الفصل ما بين مسيرات العودة من جانب وحق الشعب الفلسطيني بالمقاومة من جانب آخر، حيث يمكن لحركة حماس باعتبارها صاحبة السلطة في قطاع غزة أن تقرر ومعها "الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار" بشأن المسيرات التي سيرتها على حدود قطاع غزة منذ مارس الماضي في إطار مساعيها لكسر الحصار، ولكن القرار بشأن المقاومة بشكل عام يتجاوز صلاحيات حزب بعينه ولا يرتبط بمصالح حزبية.

الحق بالمقاومة ليس ملكا لحركة حماس أو لحركة فتح بل حق للشعب يمارسه ما دام الاحتلال موجودا على أي شبر من أرض فلسطين، وقد أعلن السيد خالد مشعل عند إعلانه عن وثيقة حماس الجديدة أن قرار الحرب والسلم قرار وطني جماعي وهو ما تم التوافق عليه لاحقا، والهدنة تندرج ضمن قرارات الحرب والسلم.

 الالتزام بالهدنة يجب أن يقتصر على ما يجري في قطاع غزة وعدم امتداد الاتفاق لبقية فلسطين حتى لا تتم مصادرة حق شعبنا في بقية فلسطين وفي الشتات في مقاومة الاحتلال.

إن كان اتفاق الهدنة جزءا من تسوية شاملة يجب أن توقع عليه منظمة التحرير باعتبارها أولا الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني ولأنها ثانيا تعترف بإسرائيل مسبقا وملتزمة باتفاقات معها وليس من داع لجر بقية الأحزاب لنفس الموقف، وليستمر الحق بالمقاومة دون مساس، وممارستها في إطار توافق وطني.

التأكيد أن تكون تفاهمات الهدنة وتخفيف المعاناة في القطاع مدخلا للمصالحة الوطنية الشاملة وجزءا منها وهو ما ورد في الورقة المصرية الأخيرة.

توقيع اتفاقات بين إسرائيل الموحدة خلف قيادتها والمدعومة بالصهيونية العالمية وبالولايات المتحدة من جانب وقطاع غزة والفصائل المتواجدة به وغياب غالبية الشعب الفلسطيني عن الاتفاق ومحدودية قدرة حلفاء حماس الخارجيين على تغيير معادلة الصراع وموازين القوى من جانب آخر سيجعل إسرائيل في موقف التفوق، وهو ما جرى عند توقيع اتفاقية أوسلو حيث عارضتها حركتا حماس والجهاد الإسلامي وجزء كبير من الشعب الفلسطيني.

ما دامت قيادة حماس وقيادة بقية الأحزاب موجودة داخل فلسطين المحتلة فما الذي يمنع من أن تكون حوارات المصالحة أو جزء منها داخل قطاع غزة وخصوصا أن طريقة استدعاء المخابرات العامة المصرية للفصائل بشكل منفرد مهينة لفصائل المقاومة الفلسطينية وإن لم تشعر الفصائل بالإهانة فالشعب الفلسطيني يشعر بها.

لا نشكك بالدور المصري أو أي دور عربي ولكن لمصر رؤيتها ومصالحها الوطنية والأمنية كما لها حساباتها الدولية التي ليست بالضرورة متطابقة مع المصلحة الفلسطينية العليا حتى وإن كانت مصر والأشقاء العرب حريصين على هذه المصلحة .

نُعيد التأكيد على ما سبق وأن طرحناه أكثر من مرة وهو إن كانت الأحزاب قررت تجاوز مرحلة التحرر الوطني والمضي قدما بخيار الدولة والسلطة فإن وجود تباين في الأوضاع المعيشية والاقتصادية بين غزة والضفة والفصل الجغرافي بينهما ولأن شعبنا يعيش في تجمعات منفصلة جغرافيا فإن هناك ضرورة للتوافق على أن تكون فلسطين دولة اتحادية - فيدرالية- وتشكيل حكومة وحدة وطنية اتحادية، الأمر الذي يقطع الطريق على الفصل النهائي ما بين الضفة وغزة وهو ما تسعى له إسرائيل. كما أن هذه الصيغة تمنح لغزة وضعا خاصا فيما يتعلق بتدبير الشؤون المحلية كمسألة الرواتب والموظفين وأموال المقاصة والجباية وسلاح المقاومة.