فاروق يوسف يكتب:
ثقافة القتل والمثقف القاتل
الفرق بين المثقف والقاتل هو نفسه الفرق بين الثقافة والقتل. غالبا ما يعرف المثقف ما الثقافة، في حين يجهل القاتل ما القتل. لو أدركَ القاتل تداعيات فعله البشعة على المستوى الإنساني لما ارتكب جريمته. في المقابل فإن المثقف يحرص على تطوير ارتباطه بالثقافة وتعميقه لأنه يدرك حجم ما يقدمه للإنسانية من خلال ما يفعل.
الثقافة والقتل لا يلتقيان. المثقف والقاتل عدوّان أبديان. غير أن العراق شهد نوعا فريدا من المصالحة بين الاثنين. وهو سبب من أسباب الكآبة التي تنبعث من التفكير في المصير الأعمى الذي ينتظر بلاد ما بين النهرين.
في لقاء المثقفين العراقيين الذين تزعم وفدهم رئيس اتحاد الكتاب في العراق، والذي جرى قبل أيام، بقيس الخزعلي كسر لكل القواعد التي انتهت إليها البشرية باعتبارها خلاصات لتجربتها التي لا تقبل الخطأ. الخزعلي هو زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق التي تقاتل الآن في سوريا بإشراف قاسم سليماني بعد أن كانت قد ساهمت في تدمير مدن غرب العراق والموصل وإبادة سكانها وارتكاب جرائم ضد الإنسانية هناك.
وقبل أن يشكل الخزعلي “عصائبه” المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني كان واحدا من أهم أعمدة الحرب الطائفية التي شهدها العراق بين عامي 2006 و2007 من خلال موقعه في ميليشيا جيش المهدي التي كان لها الحصة الأكبر من القتل على الهوية ومهاجمة الأحياء ذات الأغلبية السنية في بغداد.
هناك تسجيلات على مواقع الإنترنت يمكن من خلالها محاكمته من قبل أيّ محكمة دولية بتهمة الإبادة الجماعية كما كان هو حال الزعماء الصرب في البوسنة. وأخيرا فإن الخزعلي قد جرى تصنيفه دوليا باعتباره إرهابيا.
الخزعلي الآن هو عضو في مجلس النواب العراقي وتطالب حركته بوزارة الثقافة باعتبارها حصتها في الحكم ويذهب إليه الأدباء بوفد يتزعمه رئيس اتحادهم ليباركوا ذلك المطلب ويساندوه، وليستمعوا لخطبة يلقيها القاتل عليهم كان موضوعها “الإسلام المعتدل والثقافة”.
سيندم على تلك الزيارة البعض! سيقولون “إنها لم تكن زيارة موفقة” ويراهنون على النسيان. ولكن هل كانوا مضطرين للقيام بتلك الزيارة التي هي فضيحة بكل المقاييس؟
لقد سبق أن فعلها فاضل ثامر يوم كان رئيسا للاتحاد، حين قاد أتباعه من الأدباء إلى مجلس نوري المالكي طمعا في التفاتة منه وقد عُرف عنه التصرف بأموال العراق كما لو أنها أمواله الشخصية. المالكي لا يختلف عن الخزعلي وإن كان الأول رئيسا للوزراء لثمان سنوات وهو الذي أسس لدولة الفساد بنيانا مرصوصا لن يهتز. كلاهما يملكان تاريخا تضجّ طرقه بأصوات القتلى الأبرياء.
المالكي والخزعلي هما نوع من دراكولا الذي يبدو أن أولئك الأدباء لم يسمعوا به، أم أن المعرفة شيء، والواقع شيء آخر من وجهة نظرهم؟
في كل الأحوال فإن زيارة العار تلك لا يمكن تبريرها سوى بالخنوع وتمكن روح الاستعباد والإذلال والمهانة بل والخيانة من بشر لا يستحق الواحد منهم أن يُقرن اسمه بصفة “كاتب”. فالكتابة عنوان لشرف أضاعه أولئك المتخاذلون حين مدوا أيديهم لمصافحة يد قاتل تنبعث منها رائحة دماء العراقيين.
لقد أهان المثقفون الذين احتفوا بقاتل مطلوب دوليا كل معاني النبل والرقي والشجاعة والتضحية والكرامة والحرية التي ينطوي عليها الثقافة وتشكل جوهرها. أهانوا شعبهم قبل ذلك.جلسوا في حضرة القاتل عراة كما لو أنهم قدموا لتوهم من الكهوف.
ومثلما كانوا غرباء على الثقافة فإنهم طارئون على العراق. لو كانوا عراقيين حقا لما ارتكبوا جريمتهم ولا أقول حماقتهم. فمَن يسعى إلى لقاء قاتل هو قاتل مستتر.