نهى الصراف تكتب:
يغسل الصابونة بالصابونة!
تدور نصائح بعض الجدات للأمهات اللاتي يبالغن في العناية بنظافة أطفالهن، حول أهمية ترك الطفل يخوض في أوحال الشارع ويلهو بالأوساخ حتى داخل المنزل لتقوية مناعته.
أما الأبحاث التي روجت لحاجة الطفل للتعرض للبكتيريا الموجودة في المنزل، فهي كثيرة جدا، معززة وجهة نظرها بأن التعرض للبكتيريا يحفز الجسم على توليد الأجسام المضادة لمقاومتها لتقوية جهاز المناعة، في تأكيد على أن “الإفراط في النظافة” هو السبب وراء ارتفاع معدلات الحساسية والإصابة ببعض الأمراض.
لكن الأمر، على ما يبدو، تجاوز حدوده.. بعد أن بدأ الناس يهملون نظافة منازلهم ونظافتهم الشخصية أيضا بحجة أن “تكون نظيفا جدا” هو أمر سيء للصحة عموما. ولهذا السبب فإن التوصية بتعريض الأطفال لمجموعة من مسببات الأمراض الضارة “لجعلهم أقوى” تم دحضها الآن، حيث فند باحثون في الجمعية الملكية للصحة العامة في بريطانيا هذه المقولات باعتبارها غير واقعية.
النظافة من وجهة نظرهم أمر حيوي في حياتنا اليومية، يتوجب علينا التركيز عليها لبناء أنظمتنا المناعية وتجنب الإصابة بالحساسية من خلال محاربة الجراثيم. النظافة الجيدة في المنزل والحياة اليومية تساعد في الحد من الإصابة بالأمراض، وهي مهمة للغاية لحماية أطفالنا وتقليل الضغط على المستشفيات والعيادات الصحية.
النظافة الجيدة في المنزل والحياة اليومية تساعد في الحد من الإصابة بالأمراض، وهي مهمة للغاية لحماية أطفالنا وتقليل الضغط على المستشفيات والعيادات الصحية
مع ذلك، فإن الاعتدال في هذا الأمر لا يقل أهمية عن خطورة إهماله؛ فبعض الأمهات مصابات بخوف شديد ومفرط من الجراثيم حيث يعتقد بعض الأشخاص من الجنسين، ربما في مراحل متقدمة من اضطراب وسواس النظافة، بأن العالم مكان قذر ولذلك يتوجب تنظيف الأماكن التي نعيش فيها بصورة مستمرة، الأمر الذي يكلف الكثير من المال لشراء منتجات التنظيف، مع إهدار الطاقة والوقت في أعمال تنظيف مبالغ فيها.
هناك خيط رفيع يفصل بين الحرص والتطرف في النظافة. هذا الأمر عبّر عنه بعض علماء النفس في السابق بوصف شخص بهذه الصفات بأنه “يغسل الصابونة بالصابونة”، وهو في الغالب يتعلق باضطراب الوسواس القهري؛ الذي يجعل بعض الأشخاص يكررون الأفعال مرة تلو الأخرى، حتى عندما لا يكون هناك سبب وجيه لفعل ذلك، ما يهدر الكثير من الوقت ويعوق الحياة اليومية.
يمثل الوسواس القهري نوعا من الاضطرابات النفسية المرتبطة بالقلق، حيث يتمثل في أفكار ومخاوف غير منطقية تؤدي إلى تكرار بعض التصرفات قهريا، وفي ما يتعلق بوسواس النظافة يظهر الأمر بصور كثيرة.. منها الشخصية؛ الاستحمام أكثر من مرة في اليوم، غسل اليدين بشكل متكرر أو الامتناع عن مصافحة الآخرين أو ملامسة مقبض الباب، ومنها ما يتعلق بنظافة المنزل والتعقيم المستمر والاستخدام المبالغ فيه للمطهرات وأدوات التنظيف وغيرها.
حين يتحدث مسؤولو الصحة عن أهمية الفصل بين وسواس النظافة والنظافة الجيدة النوعية، فهم يشيرون إلى تحييد الاهتمام المبالغ فيه بكل ما يتعلق بتنظيف الأرضيات والجدران والأثاث، على أن يتم التركيز على الأسطح ومواد تحضير الطعام، وذلك بتنظيف الأسطح والأواني واليدين جيدا أثناء وبعد إعداد الطعام، خاصة عند التعامل مع اللحوم النيئة.. كذلك غسل الأيدي بالصابون والماء قبل تناول الطعام وبعد استخدام الحمام، أي النظافة الضرورية في أوقات معينة وهو ما يطلق عليه “النظافة الهادفة”.