الحبيب الأسود يكتب:

تيار الإسلام السياسي يخوض الانتخابات الرئاسية بأصوات مشتتة

يتنافس ستة مرشحين للانتخابات الرئاسية في تونس التي ستنتظم يوم 15 سبتمبر الجاري على أصوات تيار الإسلام السياسي في البلاد والتي يرجّح المراقبون أنها لا تتجاوز 500 ألف صوت، منها 80 ألف صوت من المنخرطين تنظيميا وعقائديا في حزب حركة النهضة.
وتخوض النهضة لأول مرة الانتخابات الرئاسية بمرشحها المحامي عبدالفتاح مورو، الذي يقوم حاليا بمهمة رئيس البرلمان بالوكالة، بعد أن تولى رئيسه الفعلي محمد الناصر الرئاسة المؤقتة للجمهورية.


لكنّ عددا من المحسوبين على التيار الإسلامي يحاولون منافسة مورو على أصوات تعتقد النهضة أنها الأجدر بحصدها يوم الاقتراع. هؤلاء المنافسون هم الرئيس السابق المنصف المرزوقي مرشح ائتلاف “تونس أخرى”، ورئيس حكومة “الترويكا” الأولى حمادي الجبالي القيادي السابق في حركة النهضة والذي يخوض الانتخابات كمستقل، ومحمد الهاشمي الحامدي مرشح “تيار المحبة” وسيف الدين مخلوف مرشح “ائتلاف الكرامة”، والمرشح المستقل قيس سعيّد.


يبدو المرزوقي، المعروف باندماجه الكامل في المشروع القطري الإخواني، أبرز من ينافسون على أصوات الإسلاميين مثلما حدث في العام 2014 عندما خاض الدور الثاني للانتخابات الرئاسية مع مرشح نداء تونس آنذاك الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.
وقال المرزوقي إنه فخور بحصوله على حوالي 700 ألف صوت من قواعد النهضة في تلك الانتخابات، لافتا إلى أن التزكيات البرلمانية التي جمعها تتضمن تزكيات من 7 نواب من حركة النهضة.


وفي موقف رأى فيه المراقبون تقرّبا من الإسلاميين، وعد المرزوقي بأنه سيقوم برمي مشروع قانون المساواة في الإرث الذي أطلقه السبسي، في سلة المهملات، إلى جانب إمعانه في التهجم على محور الاعتدال العربي، ودفاعه عن تنظيم الإخوان، وتحامله على الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.


لكن، تعتبر قيادة النهضة أن المرزوقي يُزايد عليها في ملفات عدة، وبخاصة تلك التي تتعلق بالتحالفات الداخلية والعلاقات الخارجية، حيث يبدو أكثر حماسة في مواجهة قواعد الحركة بخطاب راديكالي يدغدغ مشاعرها العقائدية بالدفاع عن مشروعها الذي شهد انتعاشة في ظل ما سمّي بثورات الربيع العربي.


الجبالي مرشح "مستقل"


المرشح الثاني الطامح إلى المنافسة على الخزّان الانتخابي للإسلامي السياسي هو حمادي الجبالي، أحد أبرز القياديين المؤسسين لحركة النهضة، ورئيس أول حكومة بعد انتخابات المجلس التأسيسي في أكتوبر 2011، قبل أن يستقيل من الحركة بعد استقالته من رئاسة الحكومة في 2013.
يتحدث الجبالي عن علاقته بالنهضة، فيقول “الماضي، هو ما يربطني بحركة النهضة واليوم أتطلع إلى المستقبل، أنا لا أتبرأ من هذا الماضي، بالعكس أعتبره شرفا لي، لست ممن يهاجمون أحزابهم بعد الخروج منها. خرجنا من الانتماء الحزبي السياسي الضيق إلى الانتماء إلى الحزب الكبير وهو تونس، مهمتي هي الارتقاء بتونس اقتصاديا واجتماعيا”.


لكن هذا الموقف يصنّف وفق المراقبين في باب المراوغات السياسية، خصوصا وأن رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبدالكريم الهاروني كان قد صرح في أغسطس الماضي بأن “حمادي الجبالي ابن الحركة ويتوقع أن يقوم بسحب ترشحه من سباق الرئاسة لصالح مرشح حركة النهضة عبدالفتاح مورو”، وهو ما لم يستمع إليه الجبالي الذي يصرّ على خوض الانتخابات بالكثير من الأمل في أن يكسب نسبة مهمة من أصوات الإسلاميين.


أما المرشح الثالث فهو محمد الهاشمي الحامدي، زعيم حزب تيار المحبة والقيادي السابق في حركة النهضة، الذي يَعد الناخبين باعتماد الشريعة الإسلامية في الدستور وفي إصدار القوانين، ورفض كل قوانين المساواة التي لا تتماشى مع الشريعة، وفق قوله. وأكد في تصريحات له أنه سيعمل في حال فوزه بكرسي الرئاسة على تغيير الدستور ليكون الإسلام المصدر الأساسي للتشريع.


ويراهن الحامدي على الحصول على نصيب من أصوات الإسلام بالمزايدة على حركة النهضة التي قال إن التونسيين لا يعتبرونها حزبا إسلاميا يمثلهم لأنها تخلت عن مبادئها لصالح بعض التيارات العلمانية المتطرفة، وفق تعبيره، مشيرا إلى أنها تكوّنت على أساس النضال من أجل تطبيق الشريعة الإسلامية بعد أن رفض الزعيم الحبيب بورقيبة هذا الأمر وأن الآلاف من النهضاويين عذبوا ودخلوا السجون وهربوا إلى المنافي طيلة سنوات ومع مرور أجيال لتحقيق هذه الغاية والآن يتم التراجع عنها بعد الوصول إلى السلطة وأخذ القرار.


ويعرف عن الحامدي استماتته في الدفاع عن قوى الإسلامي السياسي وعن الحركات الإخوانية في مصر وسوريا واليمن والجزائر والسودان وغيرها التي يفتح لرموزها أبواب قناته “المستقلة” في لندن، إلى جانب التحامل المستمر على الإصلاحات الاجتماعية في السعودية، ومواقف محور الاعتدال العربي، مقابل دفاعه المستميت عن النظامين القطري والتركي، وعن الرئيس السوداني السابق عمر البشير إلى حين الإطاحة به.


أما المراهن الرابع على أصوات الإسلاميين فهو سيف الدين مخلوف، مرشح ائتلاف الكرامة، المنبثق عن مجالس حماية الثورة سابقا، أو ما يسمّى بالتيار الثوري الراديكالي المرتبط بالإسلام السياسي والذي كان الحليف الأبرز لحركة النهضة قبل تحالفها مع نداء تونس على إثر انتخابات 2014.


يعرف مخلوف بأنه محامي الجماعات السلفية المتشددة، وأحد أبرز المدافعين عن عودة الإرهابيين من بؤر التوتر، إلى جانب دعوته في يونيو الماضي إلى إطلاق اسم الرئيس المصري الإخواني الراحل محمد مرسي على الشارع الذي توجد فيه سفارة مصر بتونس.
وإمعانا في التقرّب من قواعد النهضة المتشددة، تعهّد مخلوف في حال انتخابه رئيسا للبلاد بجرّ قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل إلى المحاكمة بتهمة الفساد والإضرار بالمصالح الاقتصادية للبلاد، وهي تقريبا ذات الاتهامات التي يرفعها الإسلاميون ضد الاتحاد الذي يرون أنه كان حجر عثرة أمام سيطرتهم على الحكم، وخاصة بعد الاغتيالات السياسية التي شهدتها تونس في 2013 واستهدفت القياديين اليساريين المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، حيث قاد الحوار الوطني إلى إزاحة النهضة عن الحكم وتشكيل حكومة كفاءات وطنية قادت المسار الانتقالي نحو انتخابات 2014. ويرى مخلوف أن الأزمة الاقتصادية في تونس وضعف المقدرة الشرائية للتونسيين سببهما الأول والأساسي الاستعمار الذي ينهب الثروات تحت غطاء قانوني، ولا تتمتع تونس بعائدات هذه الثروات التي تذهب إلى حسابات أطراف مجهولة، أما الحل، بحسب رأيه، فيكمن في صندوق الزكاة والعودة إلى نظام الأوقاف القادر على ضخّ أموال طائلة في ميزانية الدولة.


مواقف متشددة


تعرف عن مخلوف مواقفه المتماهية مع مواقف الإسلام السياسي والتحالف القطري التركي الإخواني والمعادية لمنظومة الاعتدال العربي، وكذلك لدولة مثل فرنسا التي دشن حملته الانتخابية الرئاسية برفع عدد من الشعارات أمام سفارتها في قلب العاصمة، إلى جانب حرصه على الظهور في صورة من يتحدى المؤسسات الأمنية والقضائية وخاصة في دفاعه عن المتهمين بالإرهاب.
المرشح الخامس، فهو المستقل الأستاذ المساعد في القانون الدستوري قيس سعيّد الذي تبوّأ موقعا متقدما في نوايا التصويت خلال استطلاعات الرأي في شهري مايو ويونيو الماضيين بدعم من الإسلاميين.
تعتبر قيادة النهضة أن المرشح الرئاسي المنصف المرزوقي يزايد عليها في ملفات عدة، وبخاصة تلك التي تتعلق بالتحالفات الداخلية والعلاقات الخارجية


وقال راشد الغنوشي آنذاك إن سعيّد ليس ملغى من حسابات النهضة. كما أشار القيادي في الحركة عبدالطيف المكي إلى أنه لا يستبعد دعم سعيّد، إلا أن الخيار الذي فرض نفسه على مجلس الشورى هو التقدم بمرشح من داخلها.
ولا يخفي سعيّد مواقفه المتشددة التي تخاطب قواعد الإسلام السياسي مثل تعهّده بتغيير النظام وتعديل الدستور وتنفيذ عقوبة الإعدام ورفض المساواة والوقوف ضد المصالحة الوطنية وتجريم المثلية التي قال إنها مؤامرة غربية لإفساد الأمّة وأن أصحابها عملاء للغرب.


ويجد المرشح الرسمي لحركة النهضة عبدالفتاح مورو نفسه في مواجهة مع المراهنين على أصوات الإسلام السياسي، ما جعله يقول إنه على يقين بأن منخرطي الحركة سيلتزمون بقرار القيادة التي رشحته، وأنه لا يعوّل فقط على أصوات النهضويين وإنما يريد أن يكون مرشحا لجميع التونسيين، وفق تعبيره، حتى أن الأمر وصل به إلى عدم استبعاد أن يفتح عند وصوله إلى قصر قرطاج ملف التنظيم السرّي وشبكات التسفير لبؤر التوتر المتّهمة به حركة النهضة.