فاروق يوسف يكتب:
في حاجة إلى الهواء
“ليس هناك من شيء جديد”، ذلك ما يقوله الرسامون العرب. الشكوى كما لو أنها تتعلق بآخرين. ما الذي يمكن أن يفعله الرسام العربي لإنقاذ الوضع والخروج من الأزمة؟ ذلك سؤال ضروري من أجل أن يكون كل شيء واضحا.
لا أعتقد أن المحترف التشكيلي العربي عاش ضيقا في تاريخه مثلما هو اليوم. فالتجارب تتشابه. الرسامون يتلصّص بعضهم على البعض الآخر.
إنهم ضحايا الإقامة في المكان الضيق. ذلك المكان الذي لم يعد مصدر إلهام بسبب خوائه الإيحائي. وهو ما يفصح عن موقف غير إيجابي، فهو ينطوي على العجز عن التعامل مع المكان باعتباره مصدر إلهام لا نهائي.
ما جرى أن رسامينا استمدوا قدراتهم التجريبية من الفن لا من البيئة. لقد نظروا إلى العالم من خلال الرسوم التي رأوها. كانوا يبتكرون فنا من خلال شغفهم بلوحات الآخرين. لذلك غاب طابع الأصالة الشخصية عن لوحاتهم.
دخلت ذات مرة إلى الغرفة التي رسم فيها الفرنسي هنري ماتيس مناظر طبيعية من طنجة. حين نظرت من خلال النافذة رأيت لوحات ماتيس. ذلك ما لم يره الرسامون المغاربة عبر مختلف تجاربهم. لم تكن عينا ماتيس قد اخترعتا المشهد بدليل أني رأيته. غير أن الرسامين ينسون المشهد ليتعلقوا بلوحات ماتيس. فكرة لا يمكن تصديقها غير أنها الواقع بعينه. ما كان منه وما سيكون للأسف.
هناك خلل ما في طريقة النظر، إضافة إلى نقص في معرفة آليات التفكير الفني. لقد سقطت الكثير من التجارب العربية في فخ الشكل وغلب عليها ولع مغالى به بالتقنيات. لذلك لم يعد الرسام العربي قادرا على رسم حياته كما يعيشها.
هناك جدار يفصل بين ما يعيشه من تجارب وما بين تجربته الفنية. حياته في مكان وفنه في مكان آخر. هذا الانفصال ضرب الفن بعصفه وجعله يقع في منطقة، لا يتجدّد هواؤها. لذلك يستعيد الرسام العربي تجارب سواه متوهما أنه عاشها.