سهى الجندي تكتب:

المدسوسون والأيدي العابثة

اعتاد أصحاب المصالح على اتهام التظاهرات الشعبية بأن يدا خفية حركتهم بهدف العبث بمقدرات الوطن، ولولا تلك الأيدي لما خرج أحد من بيته، على الرغم من وضوح الحقيقة كالشمس الساطعة، وفي عالم الفضائيات وتكنولوجيا المعلومات، لم تعد الحقائق تخفى على أحد، وحسب إحصائيات عام 2018 الصادرة عن الأمم المتحدة، فإن معدلات الدخل على سبيل المثال: في قطر 98,814 دولار في السنة ولوكسمبورغ 78,670 وسنغافورة 64,584 دولار، وإيران 12,264 والأردن 6,115 دولار واليمن 2,316 دولار والعراق 7,391 والسودان 2,631 دولار، وهذا يعني أن تقييم الوضع الاقتصادي في أية دولة لا يعتمد على رأي فئة من الناس أو جهة معينة لتحكم من عندها أن البلاد بخير ولكن الأيادي الخفية تخلق الفوضى والاضطراب.

كما أن هذه الأرقام لا تعكس الواقع، حيث أن معدل الدخل يعني جمع الدخول وتقسيمها على عدد السكان دون توضيح لشكل التوزيع، فإذا علمنا أن الفجوة بين الفقراء والأغنياء كبيرة في أي بلد، فإن هذا يعني أن بعض الناس ليس لديهم ما يأكلون. وللقارئ أن يتصور كيف يعيش الفرد في لوكسمبورغ وكيف يعيش الفرد في السودان، وهل يحصل على الحاجات الأساسية أم لا. وعندما يقول المتظاهرون "لقد جعنا"، فصدقوهم، ولا تبتعدوا كثيرا في البحث عن أسباب التظاهرات فالإجابة أقرب مما تتصورون، والمتظاهرون يبوحون بها. ورغم هذا وهذاك، لو لم تنجح تونس في إسقاط نظام حكم أفقرها بمظاهرات عفوية، لم يحرك عربي ساكنا ليسأل من أين لك هذا؟ فالحراك الشعبي يحتاج الى تنظيم وشجاعة وحضارة، توفرت جميعها لدى الشعب التونسي، ثم تبعها سائر العرب.

ولو لم تكن تكنولوجيا المعلومات موجودة في كل مكان، لظل المسؤولون يقولون أن الموارد شحيحة ولا تكفي والناس يصدقون، ولكن هناك مصادر كثيرة للحصول على المعلومة، فهناك شخصيات تملك المليارات، دون أن يعرف أحد مصدرها، في الأردن ولبنان والسودان والعراق واليمن والجزائر ومصر وغيرها، ثم يأتي رجل ليكيل الاتهامات لجهات خارجية بأنها تقف خلف الحراك، وكأن الناس مترفون وحاصلون على حاجاتهم الأساسية، ولكنهم لا يحبون طائفة معينة أو عشيرة معينة لذا فقد خرجوا الى الشوارع يهتفون ضد نظام الحكم بحجة أنهم جياع.

لقد كشف أمس النائب الأردني منصور مراد معلومات صادمة عندما عرض رواتب شركة الملكية الأردنية فهي رواتب فلكية وإذا كان هناك شركات أخرى تتبع نفس نظام الرواتب، فلا عجب أن ينتشر الفقر في الأردن، وهناك الكثير من المعارضين في الخارج ممن يكشفون عن الكثير من المعلومات الصادمة مثل مصطفى الشمايلة وعلاء الهزاع وهما يدعمان ما يقولانه بالأدلة ولا يتركان مجالا للشك في مصداقية المعلومات التي يبثونها، وهناك فرق بين من ينشئ موقعا الكترونيا ليهاجم الناس ويشتمهم وبين الذي يملك أدلة على ما يقوله، ومهما حاول المسؤولون تفنيد أقوالهم أو الدفع بوجود أيد خفية، فلن يستطيعوا ذلك، لأن الواقع يكذبهم.

إذا كان لدى المسؤولين أمل في تهدئة الأوضاع بالتصريحات وإيهام الناس أن الأوضاع الاقتصادية في طريقها الى التحسن، فهم واهمون، فالإعلام الجديد ليس في صالحهم، لأنه يكشف كل شيء، على العكس من أيامنا نحن المتقدمون في السن، حيث لم نكن نملك وسائل المعلومات المتاحة اليوم، وها نحن نشهد في كل يوم شعبا يتحرك للمطالبة بحقوقه، وأسهل طريقة لإعادة الهدوء هي استعادة الأموال المنهوبة بحكم القضاء وتقليل الفوارق ما بين الرواتب، فليس هناك انسان مخلوق من الفحم وآخر من الذهب.