الحبيب الأسود يكتب:

العداء الإيراني الإخواني الأردوغاني للسعودية..

لم يتفاجأ أغلب المراقبين بما نشره موقع “ذي أنترسبتط، وصحيفة نيويورك تايمز من وثائق كشفت عن قمة انعقدت في تركيا في العام 2014 بين الذراع العسكري الخارجي للحرس الثوري الإيراني، المعروف باسم فيلق القدس، وجماعة الإخوان المسلمين، بغاية التنسيق لاستهداف المملكة العربية السعودية.

تمثّل هذه الدولة، ببعدها الديني الرمزي وثقلها السياسي، بالنسبة إلى محور إيران والإخوان ونظام أردوغان حجر عثرة في طريق أطماعه التوسعية في حساب المنطقة العربية ككل، وبخاصة بمنطقة الخليج ذات الثروات والمقدّرات التي تسيل لعاب الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية.

رغم محاولة جماعة الإخوان نفي التعرّض خلال الاجتماع لمخططات عدوانية ضد الرياض، فإنّ مجرد اعترافها بعقد اللقاء أكد على صحة الوثائق المنشورة، خصوصا في ظل تعاطف النظام الإيراني الكبير مع الجماعة بعد الإطاحة بحكمها في مصر في الثالث من يوليو 2013 على إثر ثورة شعبية عارمة.

التحالف بين إيران والإخوان ليس جديدا، وإنما هو قديم قدم ارتباط الملالي منذ أربعينات القرن الماضي بمشروع الجماعة من خلال علاقاتهم مع مؤسسها حسن البنا، وتأثرهم بفكر سيد قطب، وترجمتهم لمؤلفاته، وجعلها واحدة من أبرز مرجعياتهم الفكرية، إضافة إلى التنسيق بين الطرفين في مواسم الحج، وصولا إلى العام 1979عندما انتصرت ثورة الخميني، ورأى فيها الإخوان النموذج الذي سيحتذون به لاحقا.

موقف الرياض وأبوظبي من مشروع الإسلام السياسي بشقيه السنّي والشيعي، بات يمثل تحديا للأطماع الإيرانية التي تحاول اختراق المنطقة عبر ميليشياتها الطائفية

أما التحالف بين تركيا وإيران فهو مرتبط بعلاقات ومصالح وحسابات متشابكة ومتداخلة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا واستراتيجيا، رغم ما يبدو ظاهريا تناقضا في المرجعيات التاريخية بين بلد يستحضر إرثه العثماني وآخر يسترجع إرثه الصفوي، ولعل للجانب الثقافي دورا مهما في ذلك، حيث أن ومن بين عدد سكان إيران البالغ 80 ميلون نسمة يوجد ما لا يقل عن 30 مليون نسمة يتكلمون اللغة التركية وهم من الأذريين والتركمان والقاشقاي.

لكن ورغم الأبعاد الإسلاموية لنظامي الحكم في البلدين، فإن وراء كل منهما مشروع قومي توسعي ينظر بكثير من الاهتمام إلى الثاني الذي يقابله أساسا الرغم في تحييده عن مجاله الحيوي، ليصطدما في بعض المنزلقات الإقليمية كالملف السوري حيث دعمت تركيا بكل قوة التيارات الدينية المتشددة الإخوانية والسلفية القريبة منها، بينما وقفت إيران إلى جانب النظام لأسباب منها ما هو طائفي وما هو إستراتيجي مرتبط بالحفاظ على طريق الإمداد إلى لبنان وعلى الفضاء المفتوح على المتوسط، وتأمين موقعها في العراق.

إن العلاقة التركية الإيرانية باتت في جانب منها تتمحور حول العداء المشترك للعرب، وهو أمر مرتبط أصلا بالتاريخ والعنصرية العرقية، ويتجاوز المسائل المذهبية والطائفية والعقائدية. ويمكن العثور على أسسه في الثقافة المتوارثة للفرس والأتراك، ويمكن فهم طبيعة ذلك العداء حاليا من محاولات الاختراق المتتالية للعالم العربي، وخاصة دوله المحورية وعلى رأسها مصر والسعودية.

لو تأملنا المشهد أكثر فإن هذا العداء اتخذ بعدا سياسيا وبات ينصبّ بالأساس على الرياض وأبوظبي الدولتين المالكتين معا لأهم قوة اقتصادية ومالية في المنطقة والحاملتين لمشروع قومي حضاري أمني وإستراتيجي تأكدت ملامحه خلال السنوات القليلة الماضي، والواضحتين في موقفهما المشترك من الأطماع الفارسية والتركية، سواء من خلال تحالفهما لدعم الشرعية في اليمن، أو إسنادهما المباشر لمصر، أو دفاعهما المشترك عن منظومة الأمن القومي العربي من الخليج إلى القرن الأفريقي، أو تنسيقهما المعلن في تعاطيهما مع أبرز القضايا الإقليمية والدولية.


كما أن موقف الرياض وأبوظبي من مشروع الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي، بات يمثل تحديا كبيرا للأطماع الإيرانية التي تحاول اختراق المنطقة عبر ميليشياتها الطائفية في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وللأطماع التركية المتدثرة بمشروع جماعة الإخوان العابر للحدود وكذلك بعنف الجماعات المسلحة المرتبطة بها في دول كسوريا وليبيا واليمن.

وما يجمع بين تركيا وإيران والإخوان من مواقف ضد السعودية يعود في مجمله إلى دور المملكة الإقليمي ليس كمركز روحي ثقافي للمسلمين، وإنما كقوة اقتصادية وسياسية، وكموقع للجغرافيا السياسية المتقدمة على مساحة قادرة على قطع الطريق أمام الأطماع الخارجية، إضافة إلى قدرة المملكة بالغة التأثير على مسارات الأحداث في دول المنطقة، وهو ما تجسّد بالخصوص من خلال دعمها المشترك مع دولة الإمارات لثورة الثلاثين من يونيو في مصر، وضرب مشروع سيطرة الحوثيين المرتبطين بإيران والإخوان المرتبطين بتركيا في اليمن.

لعل الموقف من قطر هو أحد أبرز تجليات الصراع المعلن، فنظام الدوحة المرتبط بمشروع الإسلام السياسي، ارتمى نهائيا بين أحضان الأتراك والإيرانيين الذين يتقاسم معهم العداء للسعودية والدول المتحالفة معها.

إن ما ورد في الوثائق حول التنسيق الإخواني الإيراني تحت غطاء أردوغاني ضد السعودية سيبقى دليلا على أن المملكة استفاقت باكرا لتفضح ما كان يعدّ لها في الغرف المظلمة من مؤامرات، ولتحقق قفزة مهمة في قراءة الواقع الإقليمي بعين متفحصة ومحددة لمكامن الخلل الإستراتيجي الذي كانت تعاني منه قبل أن تستدرك القيادة الحالية الأمر بموقف حازم وحاسم من تيارات الإسلام السياسي المعادية، وكذلك من مناخات التشدد التي كان الأعداء يعملون على الاستفادة منها. ولعل حركة الإصلاح التي تشهدها المملكة حاليا خير رد على أعدائها، فبتحصين الداخل يمكن التصدي لكل مؤامرات الخارج.