الحبيب الأسود يكتب:
التبعية لأردوغان تعد السراج بنهاية دراماتيكية
ماذا سيفعل السراج مع الليبيين بعد أن تورط في الاعتداء على سيادة دولتهم بمنحه الأتراك فرصة لمزيد التغلغل فيها؟
هناك شبه إجماع على أن رئيس المجلس الرئاسي الذي وصل طرابلس على متن بارجة بحرية إيطالية في مارس 2016 ليمارس مهمة الحكم التي أسندت إليه وفق اتفاق الصخيرات الموقع في ديسمبر 2015، يعاني حاليا من فقدان جميع الشرعيات الدستورية والشعبية والقانونية والأخلاقية والوطنية، وبات موصوما لدى الجانب الأكبر من أبناء شعبه بفتح الطريق أمام تدخل تركي مباشر في شأن بلدهم، تنفيذا لرغبة قلة من أصحاب المرجعيات العقائدية والجهوية المعزولة، لا ترى مانعا من أن ترهن الوطن ومصيره ومقدراته وموقعه لدى الخليفة العثماني الجديد، بل وتدفع ذلك بقوة بعد أن ربطت مصيرها بأطماعه التوسعية في المنطقة العربية.
لا بد من الاتفاق أولا على أن لدى الشعب الليبي حساسية بالغة ضد الوصاية الأجنبية في شؤون بلاده، حتى أن أغلب القبائل والمدن والقرى أبقت على ولائها للنظام السابق نتيجة رفضها المطلق للتدخل الخارجي في أحداث 2011، وحتى اليوم تفخر نسبة كبرى من الليبيين بأنها لم تتورط في تلك الأحداث التي باتت مرتبطة لديها بأسماء برنار هنري ليفي ونيكولا ساركوزي وهيلاري كلينتون والحمدين القطريين ورجب طيب أردوغان.
كما أن الشعب الليبي لا يزال يذكر باعتزاز بطولات الآباء والأجداد في مقاومة الاحتلال العثماني الذي ارتكب أبشع الجرائم في حق القبائل ما أدى إلى تهجير عدد كبير من أبنائها إلى دول الجوار، اليوم يمكن الحديث عن 6 ملايين نسمة هو عدد سكان ليبيا، مقابل وجود أكثر من 40 مليون من أصول ليبية موزعين في دول كمصر وتونس والجزائر وتشاد والنيجر والسودان، أغلبهم يذكرون تاريخ أسرهم التي اضطرها العثمانيون إلى مغادرة بلادها خاصة خلال القرنين الـ18 والـ19، إضافة إلى من تعرضوا لموجات التهجير في عهد الاحتلال الإيطالي.
في ظل منظومة ما يسمى بالربيع العربي، تعرضت حرمة ليبيا للانتهاك تحت نفوذ قوى الإسلام السياسي التي لا تعترف بالوطن ولا بسيادة الدول وتنظر إلى مشروعها العقائدي على أنه يتجاوز الحدود القُطرية والإقليمية.
وهو ما دفع بالميليشيات والجماعات الإرهابية التي تتلقى أوامرها من الخارج، وخاصة من أنقرة والدوحة، إلى تنفيذ عمليات التهجير الممنهج ضد مئات الآلاف من السكان المحليين بدعوى ولائهم للنظام السابق، وإلى تنفيذ مئات الاغتيالات في حق القوى الوطنية وخاصة ممن يحملون رمزية الدولة كالضباط العسكريين والأمنيين والقضاة أو من يدافعون عنها كالإعلاميين والحقوقيين، لتكون النتيجة إطلاق عملية الكرامة في ربيع 2014 من قبل عدد من العسكريين الذين شكلوا بتلك الخطوة نواة للجيش الوطني الذي تحول ليكون قوة ضاربة ونراه اليوم يسيطر على 90 بالمئة من المساحة الجملية للبلاد.
انضم الليبيون بقوة إلى جيشهم لأنه يمثل سيادة دولتهم، ولأنه فتح باب المصالحة الوطنية، وجمع كل القبائل والمناطق تحت راية الدفاع عن الوطن، وهو ما لم يرض أطماع الإخوان وحلفائهم في الداخل والخارج والميليشيات الجهوية المرتبطة بمصالح وحسابات جهوية واقتصادية ومالية وسياسية، ومع سيطرة الجيش على الجنوب وتقدمه نحو العاصمة وسط الترحيب الشعبي، قرر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق أن يخضع لإرادة الخارجين عن القانون وللمرتبطين بالأجندات الخارجية، وأن يراهن على المحور المتطرف والعدواني، وأن ينظر إلى قوات الجيش على أنها قوات غازية لا قوات تعمل على تحرير وطنها من الإرهاب وحكم الميليشيات.
وجد فائز السراج نفسه معزولا إقليميا ودوليا بسبب تنكره لتعهداته السابقة مع القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر، وبسبب خضوعه لأمراء الحرب وفقدانه الدعم الشعبي وتورطه في تبديد ثروة البلاد، وتجاوزه لصلاحياته وإنكاره للأسس التشريعية المعترف بها في وثيقة الصخيرات والمتمثلة في قرار البرلمان المنتخب، وتحوله إلى دمية في أيدي الميليشيات، وأصبح يواجه الإرباك في متاهة سياسات مرتجلة، ليتحول بالتبعية إلى أداة في أيدي أردوغان الحالم بالهيمنة على الجانب الشرقي من المتوسط من باب الأطماع التوسعية التي بنى عليها منظومة حكمه، والعداء لمصر واليونان وقبرص، واستفزاز الاتحاد الأوروبي، وتبخيس القانون الدولي، وكذلك من باب التطلع إلى وضع اليد على سيادة ليبيا وقرارها الوطني وموقعها الاستراتيجي وثرواتها الطائلة.
سيكون على أردوغان عرض اتفاقيتيه الموقعتين مع السراج على برلمان بلاده ليحصل على تزكية النواب، لكن الجانب الليبي الممثل في المجلس الرئاسي غير الشرعي باعتباره منقوصا من نصف أعضائه، سيطبق الاتفاقيتين دون أن يمنحهما الغطاء التشريعي بعرضهما على مجلس النواب، وهذا يعني أنه سيتورط في عملية تفريط في سيادة بلاده بقرار شخصي منه، ليضع نفسه في موقع المتورط في جريمة سيلاحقه الليبيون قانونيا وقضائيا بشأنها في الداخل والخارج، وسيجدون الدعم في ذلك من قبل الأطراف الإقليمية والدولية الرافضة لانتهاك السيادة والقانون الدوليين، والتي ترى في السراج معاديا ومستفزا لها، ومتآمرا ضد مصالحها ومتلاعبا بالتوازنات الاستراتيجية، ومتورطا في دعم أطروحات استعمارية أردوغانية لا تستثني واحدة من دول الجوار التركي.
لقد زج السراج بنفسه في ورطة كبرى ما سيجعله في قائمة من خانوا أوطانهم وباعوها خدمة للأجنبي، ولن يغفر له الليبيون ذلك، وهم المحملون بتاريخ من التصدي للتدخلات الخارجية، وبإصرار على حماية وطنهم وتحرير بلادهم من الإرهابيين والمرتزقة والخونة والفاسدين.