بدر قاسم محمد يكتب لـ(اليوم الثامن):
الازمة اليمنية تدخل مرحلة الاستنزاف المالي !
ان محاولات طرفي اتفاق الرياض السياسي (الحكومة اليمنية و الانتقالي الجنوبي) تقديم تنفيذ بند على بند من نص الاتفاق الموقع بينهما , إلى جانب كشفه عن عدم ثقة كل طرف في الاخر , هو يكشف أيضا عن اتخاذ كليهما حالة الأسد المتأهب للانقضاض على الاخر عسكريا , فعلى الصعيد الأمني والعسكري مازالت خطوة اخراج القوات الحكومية من محافظتي أبين وشبوة الجنوبيتين إلى محافظة مأرب الشمالية , القوات المتوغلة مؤخرا جنوبا , مرتهنة ارتهان كيدي بادخال قوات الحرس الرئاسي الحكومية إلى عدن , القوات التي أخرجتها قوات الانتقالي الجنوبي من عدن .
وعلى الصعيد الاقتصادي مازالت عملية توريد الاموال إلى البنك المركزي عدن "منطقة سيطرة الانتقالي" حسب اتفاق الرياض , مرتهنة ارتهان كيدي بصرف مرتبات موظفي مناطق التوريد الحكومي إلى عدن من عدن , أي ان الحكومة تريد الصرف قبل التوريد بينما الانتقالي يريد التوريد قبل الصرف ! (هذا الاشتراط الثنائي يمكن تسميته بلعبة الاستنزاف المالي !).
ما عمل اتفاق الرياض على استجداده بعد توقيع الطرفين على بنوده , هو عملية تباطئ صرف المرتبات في كلا من منطقة سيطرة الانتقالي و مناطق سيطرة الحكومة , الا ان مناطق السيطرة الحكومية تشهد تباطئا أكبر , تباطئ كيدي يعول كل طرف على لعبة الاستنزاف المالي للطرف الاخر , قبل توحيد النظام المالي , وهذا يشير بدوره إلى ان ثمة ترصد متعمد ذي نوايا غير سليمة !.
هناك تذمر ملحوظ في تأخر صرف المرتبات في منطقة سيطرة الانتقالي الجنوبي , بينما لانرى تذمرا في مناطق سيطرة الحكومة مشابه ! , على الرغم من ان هذه المناطق ,كما أسلفنا, تشهد تأخرا في صرف المرتبات أكبر من تأخر منطقة سيطرة الانتقالي , علاوة على ان الحكومة منهمكة في صرف الميزانية التشغيلية لحركة قواتها المستحدثة المرابطة في مواقع متقدمة من أبين وشبوة , و منهكمة أيضا في اجراء تنقلات عسكرية جديدة لقوات أخرى من محافظة الجوف الشمالية المحاذية لسيطرة جماعة الحوثيين إلى شبوة الجنوبية المحاذية لسيطرة الانتقالي الجنوبي ..
من الواضح جدا ان الحكومة تولي جانب حراكها العسكري الاهتمام الأكبر على الاهتمام بصرف مرتبات منتسبيها بصورة منتظمة , قد يبدو مثل هذا الأمر مشوشا لنا بعض الشيء !.
- إذ كيف يرضى الجندي المقاتل في صفوف الشرعية بعملية تأخر صرف مرتبه وفي نفس الوقت يبدو طيعا لأوامر التنقل العسكري التي تجريها الحكومة من هنا إلى هناك ؟!.
هذا بدوره يعطينا عدة تفسيرات منها :
1- بالعودة لتصريح اللواء المقدشي وزير الدفاع في الجانب الحكومي , القائل ان 70% من منتسبي جيشه هم في البيوت ,ليسوا متواجدين , لتتبقى نسبة ال 30% للمتواجدين من منتسبي الجيش على أرض الواقع , وهذا بدوره يحصر ضرر عدم صرف مرتبات الجيش في مناطق الحكومة على نسبة ال70% المتواجدة في البيوت وفي نفس الوقت يحصر فوائد الميزانية التشغيلية على نسبة ال30% المرابطة على أرض المعركة !.. أي باستطاعنا القول ان وزارة دفاع الجانب الحكومي ردت على عدم تواجد منتسبيها ال70% واضرارهم بواقعها العسكري , بالاضرار المعيشي بهذه النسبة المتقاعسة عبر عملية تأخر صرف رواتبها !.
2- بالاضافة إلى إحسان الحكومة على إحسان النسبة القليلة "ال30%" من الجيش في المرابطة على أرض الواقع , الا ان زخم حركتها العسكرية يدلل ان النسبة أكبر و ان عديد المقاتلين أكثر , الأمر الذي يُفسر بأن الحكومة استقدمت مقاتلين متطوعين من خارج الجيش :
- منهم من يشغلون وظائف مدنية أخرى , فبحسب تأكيدات تقارير الكثير من المنظمات الحقوقية فقد شهد الجيش الحكومي مؤخرا موجة تعيين موظفين من القطاع المدني و التربوي التابعين لجماعة الاخوان اليمنية وتم تقليدهم أعلى المناصب والرتب في الجيش , وهؤلاء لايضيرهم تأخر صرف مرتبات الجيش في شيء !.
- و منهم من هم من فئة النشئ و الشباب الذين لايعيلون أحد .. علاوة على ان أكثر هؤلاء هم من المتطوعين للقتال العقائدي التابعين لجماعة الاخوان اليمنية , وهذا ايضا يأتي حسب تقديرات بعض التقارير الأمنية و الاعلامية الدولية التي تفيد بأن الجيش الحكومي استعان في معركة اجتياحه لمحافظات شبوة و أبين وعدن مؤخرا ببعض عناصر التنظيمات الإرهابية , ومن المعروف عن العقائديين عدم مبالاتهم بالاعاشة المالية كثيرا !.
- مازالت الميزانية التشغيلية لحركة القوات الحكومية تشكل عامل الاستنزاف الوحيد للمخزون المالي لمناطق سيطرة الحكومة اليمنية , في مقابل امساك الحكومة عن توريد عوائدها المالية إلى عدن منطقة سيطرة الانتقالي الجنوبي , وامساكها في نفس الوقت عن صرف مرتبات القوات الواقعة تحت سيطرتها !.
- ومازالت عدن منطقة سيطرة الانتقالي وهي توازن بين الوارد و المنصرف تحاول تفادي حدوث الاستنزاف المالي مع عامل الوقت !.
بموازاة هذه الحرب الاقتصادية بين منطقة سيطرة الانتقالي ومناطق سيطرة الحكومة اليمنية , أطلت علينا جماعة الحوثيين من صنعاء بإجراءها المالي المتمثل في سحب العملة النقدية الجديدة و استبدالها بالعملة القديمة , الاجراء الداخل معترك الاستنزاف المالي الثنائي بين الانتقالي و الحكومة و مازال اثره حتى هذه اللحظة غامض وملتبس !.
- هل سيعمل على استنزاف مناطق سيطرة الحكومة ماليا , أم سيعمل على استنزاف منطقة سيطرة الانتقالي , أم سيتنزف الطرفين معا ؟!
حيث ان اجراء الجماعة الحوثية لا يمكن فصله أيضا عن نقطة اتفاق الانتقالي الجنوبي و الحكومة اليمنية القلضية بتوريد العوائد المالية إلى بنك عدن المركزي , فالحوثي متضرر أيضا من هكذا اجراء مالي بنفس تضرر مناطق سيطرة الحكومة !.
حيث ان هناك اراء ترجح ان الاجراء المالي لجماعة الحوثيين يصب في صالح التهرب الحكومي لمحافظة مأرب من توريد عوائدها المالية إلى البنك المركزي عدن , وتعتمد هذه الاراء على بعض التحليلات السياسية التي تتحدث عن وجود شبكة فساد مالي و اداري ممتدة بين مأرب الحكومية وصنعاء الحوثية , حيث تمثل هذه خطوة التوريد عامل يهدد بانكشاف أمر الشبكة !.
- الجدير بالذكر ان السلطات المحلية لمحافظة مأرب معقل الحكومة شمالا المحاذية للعاصمة صنعاء , أعلنت يوم أمس عن اتخاذها جملة من التدابير الاحترازية التي تأتي في سياق الرد على اجراء الحوثيين المالي , وبحسب زعم سلطات مأرب فإن هذه التدابير تهدف إلى عدم تسرب العملة النقدية إلى صنعاء !
بدر قاسم محمد