نهى الصراف يكتب:

للردع نهج ذو أصول من أجل تعديل سلوك الطفل

طوال الوقت، هناك خطأ ما يصدر عن الطفل في المنزل أو خارجه؛ سلوك مرفوض، ربما كلمات غير مناسبة أو حتى طلب يبدو غير مقبول من وجهة نظر الآباء المتساهلين والصارمين على حد السواء، يستدعي أن يكون جوابه الحاضر والمباشر كلمة “لا”، التي يسمعها الطفل أكثر من مرة في اليوم الواحد ولأسباب مختلفة. فهل يدرك الآباء التأثير السلبي الذي تتركه هذه الكلمة البسيطة ومدى تداعياتها على نموه وتطوره النفسي والعقلي، ومتى يجب أن تقال وكيف ومتى يجب أن نتجنبها؟

هناك في الغالب أساليب متعددة لتوجيه وتعديل سلوك غير مرغوب فيه قد يصدر عن الطفل كحادث عارض يتعلق برغبته في استكشاف محيطه، خاصة الطفل الصغير الذي يسيطر عليه الفضول عادة، فيحاول الأهل في مناسبة ما ردعه لحمايته من ملامسة السطوح الساخنة أو الاقتراب من مناطق العبور في الشارع، ثم تتطور إلى محاولة تحديد أوقات مشاهدته للتلفزيون، أو ممارسة ألعاب الفيديو ثم موعد النوم.

وبعد أن يتحول الطفل إلى مراهق ويبدأ بمحاولة البحث عن هويته واختبار قدراته الخاصة بعيدا عن وصاية الأهل، تتضاعف وتتطور أسباب وأساليب الردع باستخدام كلمة “لا”، التي تقابلها ردود أفعال سلبية تؤدي في معظمها إلى حصول خلافات يقف معها الآباء في منطقة ضبابية تتلبسهم الحيرة في كيفية التعامل معها.

وعلى الرغم من أن كلمة “لا” لا تعد مشكلة في حد ذاتها، إلا أن سماع الملاحظات السلبية التي ترافقها عادة يمكن أن يضر بالنمو الصحي للطفل. ويؤكد ديفيد ستيوارت؛ معالج نفسي أميركي ومستشار في العلاقات الأسرية، على أن الأمر يبدو أكثر تعقيدا مع الأبناء المراهقين حيث تتجلى طلباتهم دائما بالبحث عن الحريات في اختيار ما يناسبهم وبرغبتهم في أن يفعلوا ما يريدون فقط لأنهم قادرون على ذلك، وهذا هو ما يستثير رغبة الوالدين في معارضتها، الحريات التي لا تأتي بالضرورة على هواهم.

ومن هنا يظهر خطر التضييق على سلوك الأطفال إذا تفوق التعزيز السلبي على الإيجابي، يحدث هذا عندما يتم إخبارهم باستمرار بأنهم مخطئون وليسوا بمستوى التوقعات فيؤدي تكرار هذا الأمر إلى إيصال رسالة ملتبسة للطفل حيث تفسر نوايا الآباء هنا بشكل مغاير كونها تعبيرا عن عدم المحبة أو اهتزاز الثقة، ما يؤدي إلى تشويه الصورة الذاتية للأبناء، هذه الصورة التي يفترض أن تلعب دورا مهما في حكمهم السليم على الأشياء وقدرتهم على اتخاذ قرارات صائبة.

كما أن الأطفال الذين يتلقون انتقادات مستمرة تجعلهم يفقدون الإيمان بأنفسهم لا يستطيعون بمرور الوقت أخذ زمام المبادرة لفعل أي شيء أو اتخاذ أي قرار مهما كان غير مهم، لأنهم ببساطة سيستسلمون ويكفون عن تكرار المبادرة ثم يتخذون سبلا أخرى للتهرب من مواجهة مسؤولياتهم كمحاولات إيذاء النفس.طريقة توجيه الطفل والأساليب اللفظية المعتمدة في ذلك يمكن أن تشكل فارقا كبيرا في طريقة تقديره لذاته

طريقة توجيه الطفل والأساليب اللفظية المعتمدة في ذلك يمكن أن تشكل فارقا كبيرا في طريقة تقديره لذاته

ولهذا، يجب أن يأخذ الأهل في اعتبارهم أن طريقة توجيه الطفل أو تأديبه والأساليب اللفظية المعتمدة في ذلك يمكن أن تشكل فارقا كبيرا في طريقة تقديره لذاته، فتعليقات من مثل “أنت شخص لا يمكن الوثوق بك” أو “لا أحبك في بعض الأوقات، تصرفك غير مقبول”، يمكن أن تشعر الطفل بأنه لا قيمة له، على العكس من ذلك، فإن كلمات التشجيع والإشادة حتى لو كانت تتعلق بمظهره الخارجي من شأنها أن تترك أثرا طيبا في نموه النفسي.

ويضيف ستيوارت “يتوجب على الآباء توخي الحذر في اختيار لغة التخاطب مع الطفل، فما قد يبدو لهم صحيحا وبسيطا من كلمات يحاولون من خلالها توجيه أطفالهم لتصحيح سلوكهم، قد يأتي بنتيجة عكسية تماما إذا كان اختيار هذه الكلمات ليس في محله”.

ويعمد الطفل أو المراهق من جانبه للاستجابة بصورة دفاعية للانتقاد المستمر والتعنيف اللفظي الذي يصدر أحيانا من الأبوين نتيجة ارتداد الأهل للماضي دون وعي منهم واقتدائهم بأساليب تربية خاطئة وصارمة تلقوها في طفولتهم، وربما تتخذ ردود أفعال الطفل اتجاها غير محمود العواقب للتخلص من مشاعر الاستياء فهو يرد على التأنيب والانتقاد باتخاذه سلوكا غير مقبول فقط ليقول لهم “إذا كنتم توبخونني وتظلمونني دائما دون سبب، فها أنا أمنحكم سببا حقيقيا يستحق التوبيخ والانتقاد”.

ويؤكد الدكتور ليون سيلتزر استشاري وأستاذ علم النفس السريري متخصص في الصدمات النفسية وفي إدارة الغضب والعلاج من الإدمان، أن بعض الأطفال والمراهقين إنما يعبرون عن ردهم على الإهانة والتوبيخ وأساليب التربية الاستبدادية بصورة انتقامية، حيث يؤدي استفزازهم بصورة مستمرة إلى التمرد وتبني أفعال عدوانية باعتبارها طريقة مثلى من وجهة نظرهم لاسترداد كرامتهم المهدورة واحترامهم لذاتهم، فضلا عن أن مرحلة المراهقة بحد ذاتها تعد فترة ملتبسة يحاول فيها المراهق تأكيد ذاته من خلال المقاومة والتمرد على السلطة الأبوية بسبب أو دونه.

ويمكن أن يتطور هذا التمرد إلى ارتكاب أمور لا تحمد عقباها إذا لم يستلم الأهل الإشارات السلبية في الوقت المناسب، حيث يلجأ بعض المراهقين إلى القيام بأنشطة مضرة لهم على مختلف المستويات مثل التغيب عن المدرسة ورفض إنجاز واجباتهم، والتأثر بالأقران الأكثر جرأة، ربما ينضمون في وقت لاحق إلى مجموعات تشجع على العنف، وتجربة تعاطي المخدرات وتدخين السجائر والحشيش إضافة إلى الانخراط في أعمال السرقة والتخريب.