نهى الصراف تكتب:

العاطلون عن العمل يقبلون وظائف تهيمن عليها النساء

للرجال فقط.. هذه العبارة التي تكررت كثيرا في إعلانات الوظائف التي كانت تنشر في الصحف والمجلات في الماضي، حتى أن بعض الأعمال الأدبية والسينمائية ظهرت في هذا السياق بصورة كوميدية تحديدا، لتؤكد على أن المهن الخشنة لا تصلح للمرأة وإن بعض المحاولات الرائدة لكسر الحصار والاحتكار لهذه المهن من قبل الرجال، قامت بها سيدات يتمتعن بشخصيات قوية ومؤثرة، باءت بالفشل وكانت موضوعا ومادة غنية للتندر. لكن المفارقة بل الصدفة وحدها هي من قلبت ميزان الأمور وأصبح الرجال في موقف مشابه وهم يميلون إلى تخطّي الحاجز ذاته، بعد أن ضاقت بهم سوق العمل الرجالية.

اعتاد الرجال تقليديا على الابتعاد عن الوظائف ذات الطابع النسوي أو تلك التي تتطلب احتكاكا مع مجتمعات نسائية حصرية مثل؛ مهنة التمريض، الوظائف التي تتعلّق بمراكز التجميل، وظائف الصف الأول في الشركات وخدمة العملاء، السكرتارية، الخط الأول للعاملين في مبيعات التجزئة وربما الطبخ والتعليم الابتدائي وهم يتجنبونها ما أمكنهم ذلك حتى إذا واجهوا شبح البطالة، على الرغم من أن الرجال أثبتوا تفوّقا على النساء في بعض هذه المهن كالطبخ مثلا.

ويحدث هذا بسبب نظرة أغلب المجتمعات القاصرة والنمطية التي يحكم من خلالها الرجال قبل النساء على الأشخاص الذين يزاحمون السيدات، من وجهة نظرهم، على أعمال تقع في صميم اختصاصهم، بأنها أعمال لا تليق بالتكوين النفسي والمظهري للرجال.

كما يحدث هذا النفور من قبل بعض الرجال بسبب ضغوطات المجتمع، ومع ذلك فإن نتائج الدراسة المشتركة التي أشرف عليها العام 2019، باحثان في جامعتي نورث كارولينا ومينيسوتا الأميركية، وجدت بأن الرجال العاطلين عن العمل في أيامنا هذه أكثر ميلا إلى القبول بالوظائف التي تهيمن عليها النساء من رجال الزمن الماضي، وهم يضطرون إلى ذلك في حال لم يجدوا وظيفة بديلة مناسبة أو عانوا لفترة طويلة من البطالة والفقر، إذ سرعان ما تتلاشى وصمة العار الاجتماعية التي تلاحقهم أول الأمر حين يحصلون على زيادة في الأجور التي كانوا يحصلون عليها في وظائف عادية، ثم لا يلبثون أن يستردوا هيبتهم بعد فترات طويلة من البطالة وضيق ذات اليد.

الرجال عندما ينتقلون للعمل في ما كان في السابق منطقة أنثوية يحققون أداء جيدا

إلى ذلك، تؤكد الدكتورة كاريل ريفرز؛ أستاذة الصحافة في كلية الاتصالات في جامعة بوسطن الأميركية، على أن الرجال عندما ينتقلون للعمل في ما كان في السابق منطقة أنثوية فإنهم يحققون أداء جيدا مقارنة بنظيراتهم من السيدات، ومن ضمن 20 وظيفة شائعة للنساء فإن الرجال يتفوقون مهارة وأداء في معظمها باستثناء وظيفتين.

ووفقا لمعهد أبحاث سياسات المرأة في واشنطن العاصمة، يظهر تفوق الرجل في هذه الوظائف بصورة خاصة إذا كانت المرأة هي من يشرف على العمل بمناصب أعلى، وهذا أمر متفق عليه إذ أن أغلب المهن التي يهيمن عليها الطابع النسائي تتبوأ فيها المرأة المناصب القيادية لأن النساء غالبا ما تكنّ لهنّ الأقدمية في هذه المجالات.

ومن جانب آخر تسعى النساء في المراكز القيادية إلى الاستعانة بالعنصر الرجالي لتحقيق نوع من التوازن في عدد العاملين من الجنسين، كما أنّ وجود رجال في مهن تدار بإشراف النساء قد يضفي بعض الأهمية والدعم الاجتماعي للمهنة وتعزيز مكانتها، باعتبارهم عنصر قوة ودعم تستطيع المرأة القائدة استثمار وجودهم في كسب جولات مع مؤسسات منافسة تعمل في الحقل ذاته.

ويتناقض هذا السيناريو تماما مع ما يحدث للنساء اللاتي ينتقلن للعمل في الحقول التي يسيطر عليها الرجال، حتى أن السيدات العاملات المتميّزات واجهن عبر التاريخ التمييز والتهميش وكثيرا ما كان يتم تجاهلهن سواء بالمكافآت المادية أو الترقيات الأدبية، مهما كان مستوى إنجازهن وتفوقهنّ على الرجال في المستوى الوظيفي الواحد، وهو الأمر الذي صار سبباً واضحاً في اهتزار صورة الذات بالنسبة للمرأة وتصدّع ثقتها بقدراتها في سوق المنافسة.

الرجل يظهر تفوق في الوظائف التي تشرف عليها المرأة

ويستمر هذا التمييز حتى يومنا هذا وإن كان بمستوى أقلّ لكنه ما زال محسوسا، وفي العموم فإن الحوافز والترقيات في المهن التي يهيمن عليها الذكور تتعدى تلك التي تحصل عليها المرأة في المهن التي تهيمن عليها بنات جنسها، حتى وإن كانت بنفس مستوى الأداء والمنافسة في سوق العمل.

وفي هذا السياق، فإنّ سوق العمل عادة يحاسب المرأة على كمّ ومستوى الأداء، وهي قلّما يتم منحها فرصة ثانية إذا ثبت تقصيرها أول الأمر، في حين يمنح الوقت الأطول للرجل لإثبات ذاته من خلال تقدير رؤسائه لإمكاناته التي يمكن استثمارها في المستقبل، بصرف النظر عن أدائه الحالي ويشيع هذا الأمر حتى في صفوف خريجي الجامعات المرموقة من الجنسين، حيث تتحصل النساء على رواتب أقلّ بنسبة 30 في المئة مقارنة بأقرانهن من الرجال.

وبالإضافة إلى ذلك فإنّ النساء المتفوقات في المؤهلات والأكثر إنجازا بشكل واضح غير مرغوب بهن في أماكن العمل من قبل الزملاء من الرجال والزميلات أيضا على حد سواء، خوفا من المنافسة.

ومن جانب آخر، ترى ريفرز بأن أصحاب العمل من الجنسين حين يعمدون إلى توظيف الرجال في هذه المجالات، فإنهم ينظرون إلى الخلفية المهنية السابقة لهم في المجالات التي يسيطر عليها الذكور، الأمر الذي يتيح لهم الوصول إلى وظائف أعلى مستوى بأجور عالية.